
انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا - تشرين الأول/ أكتوبر
مناطق السيطرة على الخريطة التالية معروضة وفقًا للناحية، وقد لا تُظهر الوضع الحالي على أرض الواقع
تشمل خارطة انتهاكات حقوق الإنسان بيانات يحرص المركز السوري للعدالة والمساءلة على جمعها عن طريق منسقي أفرقته التوثيقية المنتشرة في الميدان. ويحرص المنسقون على استخلاص البيانات من مجموع التقارير الإعلامية، والمقابلات والحوارات التي يُجرونها بما يجعلها متاحة لاطلاع شريحة أوسع من الجمهور في مختلف أنحاء العالم. وتمثل هذه الخارطة توزيعا لتفاصيل الوقائع المرتبطة بحالة حقوق الإنسان الراهنة في المناطق السورية الخاضعة سياسيا وعسكريا لسيطرة السلطات الرئيسية الأربع، وهي: الحكومة السورية، وهيئة تحرير الشام، وقوات سوريا الديمقراطية أو سلطات الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا (قسد/ سلطات الإدارة الذاتية)، والمناطق التي تحتلها تركيا.
كما يداوم المركز السوري للعدالة والمساءلة على تحديث محتويات الخارطة وتفاصيلها شهريا عن طريق إدخال أحدث بيانات وقائع انتهاكات حقوق الإنسان، والأحداث السياسية الفارقة، وتحليل تطورات النزاع وتغير حيثياته.
وتشمل خارطة شهر تشرين الأول/ أكتوبر التفاصيل التالية: الظروف والأحوال المحيطة بأحدث موجة من موجات النازحين السوريين الذين عادوا إلى الأراضي السورية فرارا من القصف الإسرائيلي على لبنان، والإصابات في صفوف المدنيين جراء الضربات الجوية الإسرائيلية على المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة في مختلف أنحاء سوريا، واستمرار انتشار ملامح انعدام الأمن (من اغتيالات، وعبوات ناسفة، وعمليات اختطاف، واشتباكات مسلحة) في محافظة درعا، والزيادة الملحوظة في عدد الهجمات التي تشنها تركيا على الأراضي الواقعة تحت سيطرة قسد، والاعتقالات التعسفية وعمليات الابتزاز التي يمارسها عناصر فصائل الجيش الوطني السوري في شمال البلاد، والإصابات في صفوف المدنيين جراء القصف المدفعي، والضربات الجوية، والهجمات بالمسيرات التي تشنها الحكومة السورية والحليف الروسي على محافظتي إدلب وحلب.
المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة
تبسط الحكومة السورية سيطرتها على معظم أراضي البلاد حاليا. ومنذ أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي تصدرت عناوين الأخبار أنباء عن تدفق آلاف اللاجئين السوريين من لبنان، وذلك عقب فرارهم جراء سلسلة مستمرة من الضربات الجوية الإسرائيلية على لبنان.
ما من مكان آمن في سوريا يتيح للسوريين العودة إليه بأمان، وخصوصا المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة. ولا ينبغي أن يُؤخذ التدفق الحالي من موجات اللاجئين العائدين إلى سوريا فرارا من القصف في لبنان على أن سوريا أصبحت بلدا آمنا، أو على أنه مؤشر على العودة الطوعية.
بل حري أن تُفسر حركة النزوح الحالية على أن سوريا تحولت مرحليا إلى خيار مؤقت وأكثر أمانا، ولو نسبيا، بالنسبة للفارين من القصف الإسرائيلي على لبنان الذي لم يخلُ من استهداف متعمد لمناطق تتركز فيها أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، وأوقع مئات القتلى في صفوفهم. كما وثق اللاجئون السوريون تفاصيل حرمانهم من دخول الملاجئ أو الحصول على خدمات الإيواء داخل لبنان، وهو ما أسهم على الأرجح في إجبار أولئك السوريين على اتخاذ قرار العودة إلى سوريا مجددا.
وحتى 25 تشرين الأول/ أكتوبر، قدرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين دخول نحو 440,000 شخص الأراضي السورية منذ أن عمدت إسرائيل إلى تصعيد ضرباتها الجوية في لبنان، وشكل السوريون 70% من أولئك النازحين، فيما شكل اللبنانيون النسبة الباقية. وفي بادئ الأمر، لاحظ أعضاء فريق التوثيق التابع للمركز السوري للعدالة والمساءلة تراجعا في مستوى تشديد الإجراءات وتدقيق الأجهزة الأمنية على هويات الواصلين إلى المعابر بالمقارنة مع الإجراءات المعتادة نظرا لضخامة الأعداد التي تدفقت على المعابر الحدودية. ولكن التقارير التي وردت خلال تشرين الأول/ أكتوبر من فريق التوثيق، ووسائل الإعلام، ومنظمات المجتمع المدني تفيد بحصول زيادة في حالات اعتقال السوريين الذين دخلوا البلاد قادمين من الأراضي اللبنانية مؤخرا. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، وثق المركز السوري للعدالة والمساءلة وفاة سوري في إحدى منشآت الحجز التابعة للحكومة عقب اعتقاله في خان شيخون بإدلب بمجرد عودته إلى سوريا قادما من لبنان. ووفقا لما أفاد به أعضاء فريق التوثيق، زُعم أن رجلا آخر يُدعى شادي محمد الشرتح اعتقل على أيدي عناصر من المخابرات العسكرية التابعة للنظام لدى مروره بمعبر الدبوسية (بمحافظة حمص) في تشرين الأول/ أكتوبر، قبل أن يتم اقتياده إلى مكان مجهول. كما يراقب المركز عن كثب تفاصيل تلك الاعتقالات وظروف النازحين القادمين من لبنان وأحوالهم. ويلاحظ أعضاء فريق التوثيق التابع للمركز أن الموجودين حاليا في المناطق تحت سيطرة الحكومة يبدون ترددا كبيرا في البوح بتفاصيل ما تعرضوا له. كما أضاف أعضاء الفريق أن الأمر سوف يستغرق بعض الوقت قبل تحديد هويات الأفراد القاطنين في تلك المناطق ممن هم على استعداد لإجراء مقابلات مستفيضة حول تلك التفاصيل.
وإلى جانب تعرض السوريين المتوجهين إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة لأشكال متنوعة من انتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما الاعتقال التعسفي والتعذيب، فهم محرومون أيضا من الحصول على المساعدات أو الخدمات في ظل ظروف اقتصادية طاحنة. وأشارت وسائل الإعلام إلى عدم كفاية الخدمات الشحيحة التي توفرها الحكومة السورية لتلبية احتياجات النازحين السوريين الفارين من لبنان، وأظهرت الصور افتراش كثير منهم للطرقات ونومهم في العراء على مقربة من مرآب رئيسي في دمشق مخصص لاستقبال الحافلات القادمة من الحدود اللبنانية. كما تناهت إلى علم أعضاء فريق التوثيق أنباء عن تعرض نازحين سوريين جدد للاستغلال على أيدي سائقي الحافلات ومالكي المنازل الذين رفعوا أجور المواصلات والإيجارات السكنية بنسبة فاحشة لاستغلال فاقة أولئك النازحين وحاجتهم الشديدة لدى قدومهم إلى دمشق، أو أثناء توجههم إلى مناطق الشمال.
وبالتوازي مع الهجمات التي تسببت بموجة نزوح ضخمة من لبنان، حرصت إسرائيل على استهداف مواقع متفرقة في مختلف أنحاء سوريا خلال تشرين الأول/ أكتوبر بأكمله. وأورد موثقو المركز وإعلاميون تقارير تتحدث عن وقوع إصابات في صفوف المدنيين جراء تلك الهجمات. وزعمت وزارة الدفاع السورية أن الضربات الإسرائيلية التي استهدفت عددا من المواقع في دمشق بتاريخ 2 تشرين الأول/ أكتوبر قد أوقعت 3 قتلى في صفوف المدنيين وجرحت عددا آخر منهم. وفي 8 تشرين الأول/ أكتوبر، قيل إن الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت حي المزة بدمشق تسببت بمقتل ما لا يقل عن 7 أشخاص بينهم نساء وأطفال. كما أوردت وسائل إعلام مقتل طبيبين في ضربات يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر، وهما الطبيبة رهف قمحية ، وزوجها الطبيب شوقي الحسين . وفي أواسط تشرين الأول/ أكتوبر، وقع انفجار ضخم عقب استهداف إسرائيل مستودعا للذخائر تستخدمه قوات الحكومة وميليشيات تابعة لإيران في اللاذقية، وزعمت وسائل إعلام حكومية أن الانفجار أوقع إصابتين في صفوف المدنيين. كما وردت مزاعم تفيد بمقتل أحد المدنيين بعدما استهدفت مسيرة إسرائيلية أحد قيادات حزب الله بحي المزة يوم 22 تشرين الأول/ أكتوبر.
كما استهدفت إسرائيل عدة مناطق بحمص ، وريف دمشق (ومن ضمنها المعبر الحدودي الرئيسي بين سوريا ولبنان) خلال تشرين الأول/ أكتوبر إلى جانب استهداف منشآت عسكرية في محافظات حماة ، ودرعا ، والقنيطرة . وحتى إذا كانت إسرائيل تريد أن تستهدف مرافق ومنشآت عسكرية داخل سوريا، فلا يعني ذلك أن المدنيين بمنأى عن الخطر الناجم عن تلك الهجمات. كما أن إقدام الحكومة السورية على وضع منشآت للجيش، أو مرافق تابعة لإيران، أو مستودعات لتخزين السلاح والذخيرة داخل مناطق آهلة بالسكان يشكل خطرا كبيرا على سلامة المدنيين الذين قد يصبحون مجرد أضرار جانبية في أي هجوم يستهدف تلك المرافق والمنشآت، تماما كما حصل في دمشق الشهر الجاري، وفي مصياف بمحافظة حماة الشهر الماضي.
وسبق للمركز وأن وثق -قبيل حصول موجة النزوح الحالية من لبنان بفعل الهجمات الإسرائيلية- حصول اعتقالات تعسفية طالت اللاجئين العائدين إلى سوريا عقب ترحيلهم إليها من تركيا ولبنان لا سيما مع زيادة أعداد حالات الإعادة القسرية مطلع العام 2024. واعتقلت قوات الأمن الحكومية جميل النصيرات بتاريخ 13 تشرين الأول/ أكتوبر عند حاجز منكت الحطب بمحافظة درعا عقب عودته من تركيا مؤخرا. وقد هدد أفراد أسرته ومدنيون آخرون في درعا الحكومة بمزيد من التصعيد إذا لم تُخلِ سبيله، الأمر الذي حمل الجهات الحكومية على الإفراج عنه في غضون 24 ساعة. وعادة ما تحصل مثل هذه المواقف من الاعتقال والتهديد بالتصعيد مقابل الإفراج عن الشخص المعتقل في حالات تتعلق بأفراد من أبناء محافظتي درعا والسويداء، ولكنها أقل شيوعا في حالة أشخاص من محافظات أخرى نظرا لتواضع حجم التأثير الذي تتمتع به جماعات المدنيين في تلك المناطق. وثمة أسباب عدة وراء نجاح أبناء درعا والسويداء في الضغط على الحكومة من أجل الإفراج عن أبنائهم المدنيين في بداية فترة الاعتقال. وعادة ما يهدد أبناء درعا باتخاذ إجراءات عنيفة بحق عناصر قوات الحكومة المنتشرة في المنطقة كي يدفعوا باتجاه الإفراج عن ذويهم، ولكن سرعان ما تتحول مثل تلك المواجهات إلى اشتباكات عنيفة تشكل خطرا إضافيا يهدد سلامة المدنيين.
وظلت ممارسات اعتقال المدنيين على أيدي عناصر المخابرات العسكرية وغيرها من الأجهزة الاستخبارية شائعة في دمشق وريفها. وفي 3 تشرين الأول/ أكتوبر، أقدم عناصر من قوات الحكومة على اعتقال شخص مدني يُدعى أسامة محسن غانم لدى مراجعته قسم أمن الشاغور بدمشق لتقديم بلاغ حول سرقة بعض مقتنياته (حقيبته)، وذلك بزعم أنه "مطلوب" للقضاء (لقاضي الفرد العسكري) لأنه لم يسلم حذاءه العسكري عقب الانتهاء من أداء الخدمة العسكرية كجندي احتياط قبل عدة سنوات. ولدى السؤال عنه في قسم الشاغور، قالت الشرطة لأفراد أسرته إنه تم ترحيله أكثر من مرة بين الفروع الأمنية في دمشق وحمص. وقيل إنه قد تم إخلاء سبيل أسامة غانم بعد أسبوعين، ولكن آخرين مروا بتجربته نفسها واجهوا مصيرا أكثر شؤما.
وعلى شاكلة ما حصل من تطورات لحيثيات الأمور في محافظة درعا خلال الأشهر الماضية، فمن المحتمل أن تؤدي حالات اعتقال المدنيين في مناطق دمشق وريفها إلى حصول صدام مع الأهالي من أبنائها. وقد تسبب اعتقال قوات الحكومة لشابين من أبناء بلدة زاكية في تشرين الأول/ أكتوبر بهجوم شنته جماعات محلية مسلحة على مقار الفرقة الرابعة بزاكية، ونجم عن ذلك حصول بعض الاشتباكات بين الطرفين. وعقب ورود أنباء عن احتمال مقتل حسن غدير، أحد قيادات الفرقة الرابعة التابعة للحكومة، في تلك الاشتباكات، فرضت قوات الحكومة طوقا أمنيا وحصارا على بلدة زاكية، وطالبت بدفع مبالغ باهظة للسماح بدخول المواد الغذائية وغير ذلك من الاحتياجات الأساسية إلى البلدة. وبحلول نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، ظل النقاش دائرا بين الأمن العسكري التابع للفرقة الرابعة وأعيان المنطقة لإنهاء الحصار من دون أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق بهذا الخصوص.
وسبق لأبناء بلدة زاكية وأن اشتبكوا مع قوات الحكومة في أكثر من مناسبة في وقت سابق من عام 2024، مدفوعين في أغلب الأحيان بانتشار تلك القوات وضلوعها في أنشطة غير مشروعة (من ضمنها الاتجار بالمخدرات) داخل البلدة. ودأبت جهات حكومية -عقب كل مناسبة شهدت حصول اشتباكات- على عرض هدنة مقابل تسليم الأهالي ما بحوزتهم من سلاح ، والتحاق المطلوبين للخدمة العسكرية بقوات الحكومة. ولكن عادة ما يرفض الأهالي قبول تلك الشروط نظرا لاعتمادهم على أسلحتهم الشخصية للدفاع عن أنفسهم بوجه الانتهاكات الحكومية، ويرفضون الالتحاق بالجيش.
وآلت مسؤولية الأمن في منطقة الجنوب التي تشمل محافظات درعا، والسويداء، والقنيطرة، إلى الجيش التابع للحكومة والأجهزة الأمنية منذ أن استعادت السيطرة عليها في عام 2018. ويعاني المدنيون في درعا من انعدام الأمن في عموم مناطق المحافظة، وتشكل كثرة الاغتيالات وغير ذلك من الهجمات العنيفة بحق المدنيين والأفراد العسكريين خطرا كبيرا على سلامتهم. كما لاحظ أعضاء فريق التوثيق في المركز حصول زيادة ملموسة في أعداد تلك الهجمات والاعتداءات أواخر عام 2023، ولاحظوا أيضا استمرار تلك الزيادة بشكل مطرد في عام 2024.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر أيضا، أبرز أعضاء فريق التوثيق التابع للمركز ومنافذ إعلامية محلية حصول عدة اغتيالات أُسندت المسؤولية عنها إلى مجهولين واستهدفت مدنيين ليس لدى معظمهم ارتباطات عسكرية، فيما كان بعض المستهدفين من عناصر الجيش السوري الحر سابقا، أو ممن سبق لهم الانشقاق عن جيش النظام. ويشكل انتشار محاولات الاغتيال والاعتداءات العنيفة في درعا خطرا كبيرا يهدد سلامة المدنيين في عموم أنحاء المحافظة برغم ما لاحظه فريق التوثيق من أن بعض تلك الاغتيالات قد يكون مدفوعا بخلافات شخصية (متعلقة بالديْن، أو خلافات عائلية على الميراث أو تنازع الملكية، وغيرها من أسباب). وعلى سبيل المثال، أُصيب طفلان كانا في مسرح محاولة اغتيال شخص في بلدة جاسم في تشرين الأول/ أكتوبر.
كما قد يتعرض المدنيون للقتل أو الإصابة على هامش مجموعة متنوعة من الاعتداءات أو الحوادث الأخرى من قبيل انفجار العبوات الناسفة المصنعة محليا، أو بسبب الذخائر غير المنفجرة، أو إذا وجدوا أنفسهم عالقين وسط تبادل لإطلاق النار بين الجماعات المسلحة. وقُتل فتى يبلغ من العمر 17 عاما عقب انفجار عبوة ناسفة في مدينة درعا خلال الشهر. كما قُتل شابان آخران جراء انفجار لغم أثناء عملهما في إحدى المزارع شرقي درعا. وصرحت وسائل إعلام محلية أن مثل تلك الحوادث شائعة نظرا لانتشار الألغام والذخائر غير المنفجرة على مقربة من المرافق العسكرية التابعة للنظام بدرعا، وخصوصا في المواقع التي شهدت قتالا عنيفا في الماضي، ولم تحرك الحكومة ساكنا كي تزيل الألغام من تلك المناطق منذ تصالحها مع الحكومة في 2018.
وغالبا ما تندلع اشتباكات بين الجماعات المسلحة المتناحرة في درعا وتوقع قتلى أو جرحى في صفوف المدنيين. وقد سلطت وسائل الإعلام المحلية الضوء على تفاصيل اثنتين من عمليات الاختطاف بدرعا في تشرين الأول/ أكتوبر؛ شهدت إحداهما اختطاف طفلة من مدرستها. وغالبا ما يطالب الخاطفون عائلة الضحية بدفع فدية مقابل الإفراج عنها. وفي وقائع أخرى حدثت خلال الشهر نفسه، استخدم مجهولون عبوات ناسفة في استهداف مركبات ودوريات تابعة للجيش وعناصر الأجهزة الأمنية في درعا. وفي إحدى تلك الوقائع، تسببت عبوة ناسفة بجرح ستة من عناصر قوات الأمن الحكومية عقب وضعها أسفل سيارة الدورية على الأغلب. وتستهدف مثل تلك الاعتداءات عناصر قوات الحكومة في ظاهرها، ولكنها تشكل في الوقت نفسه خطرا على سلامة المدنيين في المنطقة كونها تُنفذ وسط أماكن آهلة بالسكان المدنيين كما حصل عند انفجار عبوة ناسفة محلية الصنع على مقربة من أحد المساجد في حي القصور بدرعا أواخر تشرين الأول/ أكتوبر.
ولا تتوقف موجة النزوح جراء هذا الوضع غير المعقول في درعا لا سيما إذا ظل المدنيون عرضة لخطر سقوطهم قتلى أو جرحى كأضرار جانبية على هامش الاشتباكات المسلحة، أو محاولات الاغتيال. ولاحظ أعضاء فريق التوثيق التابع للمركز حصول زيادة في أعداد السوريين من أبناء درعا الذين يفرون من البلاد، ويحاولون الوصول إلى أوروبا.
وأما في محافظة السويداء المجاورة، استمرت الاحتجاجات للمطالبة بالإصلاح وتغيير النظام عقب انطلاقها منذ أكثر من سنة. واستمرت الاحتجاجات في تشرين الأول/ أكتوبر بشكل متسق بالتزامن مع تنظيم احتجاجات متفرقة هنا وهناك أيام الأسبوع، وتنظيم تجمعات حاشدة أيام الجمع كما كانت عليه الحال منذ أشهر.
ولا يزال تنظيم داعش يشكل تهديدا لقوات الحكومة، والميليشيات التابعة لها، والمدنيين في المناطق الصحراوية التابعة لمحافظتي حمص وحماة إلى جانب مناطق أخرى في محافظتي دير الزور والرقة. وهاجم التنظيم قوات الحكومة والميليشيات الموالية لها في أكثر من مناسبة خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر. كما هاجم مدنيين ممن يعملون في رعي الماشية أو جمع محصول نبات الكمأة في المناطق الصحراوية خلال الأشهر الماضية. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، مددت الولايات المتحدة العمل "بحالة الطوارئ الوطنية في سوريا" عاما آخر، وأشارت إلى أن تنظيم داعش "لا يزال يشكل خطرا يهدد سلامة المدنيين، ويقوض السلام، والاستقرار في المنطقة".
المناطق الواقعة تحت سيطرة سلطات الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا
تحكُم سلطات الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا مناطق من محافظات الحسكة، ودير الزور، والرقة، وحلب. وبرغم ما تحظى به قسد من دعم سياسي وعسكري مستمر من الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب، لم تتوانَ الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لها عن ارتكاب الانتهاكات بحق سكان المناطق الواقعة تحت سيطرتها لا سيما على صعيد ممارسات الاعتقال التعسفي وإساءة معاملة المحتجزين لديها. وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، حرص أعضاء فريق التوثيق التابع للمركز على إجراء مقابلات مع عشرات المعتقلين السابقين وذويهم الذين وصفوا بالتفصيل الانتهاكات المرتكبة بحقهم والتي كان التعذيب واحدا منها. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، أجرى المركز السوري للعدالة والمساءلة مقابلة مع امرأة مدنية سبق وأن احتُجزت لدى مرورها بحاجز أمني وتعرضت للضرب على أيدي عناصر قوات الأمن التابعة لقسد.
ومنذ أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي دخل آلاف النازحين السوريين إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة سلطات الإدارة الذاتية عقب فرارهم من لبنان، و يُقدر عدد الذين دخلوا حتى تاريخ 3 تشرين الثاني/ نوفمبر بأكثر من 20 ألفا وفقا لأرقام سلطات الإدارة الذاتية. ولم يجد السوريون ممن لا أقارب أو أصدقاء لهم في تلك المناطق ملجأ سوى مخيمات مثل مخيم العدنانية بمحافظة الرقة للإقامة فيها حيث يؤوي هذا المخيم نحو 50 أسرة من أسر النازحين كما ورد. وتزعم سلطات الإدارة الذاتية أنها تزود الأسر المقيمة في المخيم بالأساسيات (من خيام، وبطانيات، ونحو ذلك)، ولكنها ناشدت في الوقت نفسه المجتمع الدولي لتقديم المساعدات من أجل تلبية احتياجات أولئك السوريين النازحين. وأفاد أعضاء فريق التوثيق التابع للمركز بأن أوضاع السوريين النازحين من لبنان إلى مناطق الإدارة الذاتية بالغة الخطورة لا سيما وأن معظمهم يقيم في مخيمات من دون الحصول على أبسط الاحتياجات. وسوف يحرص أعضاء فريق التوثيق على إعداد تقرير وإجراء مقابلات مع النازحين من لبنان إلى مناطق الإدارة الذاتية الذين يبدون استعدادا للاستفاضة في كشف تفاصيل ما يمرون به.
وفاقمت الإجراءات التي تطبقها تركيا داخل مناطق سيطرتها في سوريا من صعوبة الأمر على كثير من السوريين الذين أقاموا لسنوات في لبنان كلاجئين هناك. وأما من ينحدرون أصلا من شمال شرق سوريا (تل أبيض، ورأس العين، ونحوها) التي ترزح حاليا تحت احتلال قوات مدعومة من تركيا، فقد اضطُروا إلى المكوث في مخيمات داخل مناطق الإدارة الذاتية بالرقة والحسكة لا سيما وأنه يتعذر عليهم حاليا العودة إلى أماكن إقامتهم الأصلية.
وإلى جانب استمرار احتلال تركيا لمناطق نبع السلام في محافظتي الحسكة والرقة، شهدت عموم مناطق شمال سوريا أواخر تشرين الأول/ أكتوبر تصعيدا في النشاط العسكري التركي، الأمر الذي كانت له تبعات كارثية على المدنيين. وفيما يظهر أنه رد على الهجوم الذي دبر له حزب العمال الكردستاني، وأوقع 5 قتلى في العاصمة التركية، أنقرة، قصفت تركيا مناطق شمال سوريا خلال الأسبوع الأخير من الشهر برشقات من القذائف والصواريخ، وهو ما أسفر عن وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وألحق أضرارا بمنشآت البنية التحتية الحيوية لا سيما محطات توليد الكهرباء ومعامل الغاز الطبيعي. وأوقع هجوم على إحدى المحطات النفطية بتل كوجر 7 قتلى من موظفي المنشأة. كما أُصيب أربعة أشخاص جراء قصف مدفعي تركي استهدف منطقة قريبة من أحد المعابر مع المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا بحلب أواخر تشرين الأول/ أكتوبر. كما طال القصف المدفعي مناطق قريبة من تل رفعت وتل سوسن ، وأوقع عدة إصابات في صفوف المدنيين بينهم نساء وأطفال، مُلحِقا أضرارا ببعض المنازل. وحتى إذا لم يتسبب القصف بوقوع إصابات بين المدنيين، فلا يخلو الأمر من تبعات طويلة الأجل على حياة المدنيين في المنطقة، وقطع إمدادات الخدمات الأساسية عنهم (من كهرباء، ووقود، ومياه) لا سيما في ظل الارتفاع الباهظ في أسعار المصادر البديلة ومخاطرها على السلامة العامة.
وفي مقابلة أُجريت في تشرين الأول/ أكتوبر مع وسيلة إعلامية ألمانية، زعمت الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، إلهام أحمد، أن المنطقة جاهزة لاستقبال اللاجئين السوريين الذين يتم ترحيلهم من أوروبا، وذلك على أمل نيل الاعتراف السياسي من البلدان التي ترحل أولئك اللاجئين، والحصول على الدعم المالي منها. وزعمت الإدارة الذاتية لاحقا أن تصريحات إلهام أحمد قد حُرفت عن سياقها، وأن الهدف منها هو التأكيد على ترحيب شمال شرق سوريا بالعائدين طوعيا. وفي جميع الأحوال، فمن الثابت والجلي أن مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا تظل مناطق غير آمنة للعودة إليها لا سيما في ظل الأحوال غير المستقرة فيها، وانتشار ممارسات الاعتقال التعسفي وارتكاب الانتهاكات بحق المحتجزين على أيدي عناصر قسد، إضافة إلى استمرار الهجمات التركية على تلك المناطق، وتُعد تلك التصريحات محاولة مشينة لتسجيل موقف سياسي، والحصول على مساعدات دولية، والتأثير على الرأي العام وتضليله بخصوص الأوضاع في مناطق شمال وشرق سوريا، فضلا عن كونها محاولة تشبه بشكل مريب أساليب الحكومة السورية وتكتيكها.
ولم تتوقف خلال تشرين الأول/ أكتوبر منظمة الشبيبة الثورية التابعة لقسد عن ممارسة تجنيد الأطفال في محافظة حلب. وأورد أعضاء فريق التوثيق التابع للمركز قيام المنظمة باختطاف فتى يافع من إحدى المناطق الواقعة تحت سيطرة قسد على مقربة من عفرين. كما اختطفت منظمة الشبيبة الثورية فتاة قاصرة من حي الشيخ مقصود بحلب أواخر الشهر. وأشار أعضاء فريق التوثيق إلى أن الفتاة القاصرة المختطفة فتاة عربية وليست كردية، وذلك في واقعة نادرة في هذا السياق. وراجعت عائلة الفتاة مقر الشبيبة الثورية للاستفسار عن ابنتها، ولكن عناصر المنظمة أنكروا أي علم لهم بمكان وجودها كما جرت عليه العادة. وأورد المركز السوري للعدالة والمساءلة مزيدا من التفاصيل الوافية حول هذا النمط من الانتهاكات في تقرير له نُشر في وقت سابق من العام الجاري.
وأبرز أعضاء فريق التوثيق ووسائل إعلام محلية انعدام الأمن في مناطق الإدارة الذاتية ضمن محافظتي الحسكة ودير الزور إلى جانب توالي البلاغات عن تعرض المدنيين للتهديد بالسطو المسلح في الأشهر الماضية. وأشارت وسائل الإعلام خلال تشرين الأول/ أكتوبر إلى تنامي الأخطار والتهديدات التي تتربص بالمدنيين على طول الطرق الرئيسية ومن ضمنها تلك التي تعج بالحواجز العسكرية والأمنية التابعة لقسد والأسايش، إلى جانب انتشار عناصر من داعش أو أفراد مسلحين للسطو على كل من يمر بتلك المناطق. ومن نافلة القول إن عمليات السطو المسلح تحد من حرية حركة المدنيين وعمال الإغاثة (وخصوصا على مقربة من منطقة مخيم الهول). كما أشارت وسائل الإعلام إلى تشكيك المدنيين في مدى قدرة قسد والأسايش على وقف نشاط اللصوص المسلحين.
ووفقا لما أفاد به أعضاء فريق التوثيق، من الوارد أن تكون سياسات قسد، والاعتقالات التي تنفذها، والحملات الأمنية التي تشنها هي السبب في نشوب الشجار والخلاف بين عناصرها والمدنيين، لا سيما في محافظة دير الزور. وقد يحصل ما لا يُحمد عقباه وتتحول تلك المواجهات إلى صدامات عنيفة كما حصل هذا الشهر في الشهيل، والعزبة، والبصيرة وغيرها من المواقع خلال الأشهر الماضية، وقد تصبح مصدرا لتهديد سلامة المدنيين نظرا لوجودهم في المكان والزمان غير المناسبين.
المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا
عقب توغل تركيا في الأراضي السورية على إثر عمليتي درع الفرات، وغصن الزيتون (2016-2018)، بسطت تركيا ووكلاؤها بقيادة الجيش الوطني السوري سيطرتها على مناطق شمالي حلب، ولا تزال ترتكب انتهاكات متكررة بحق سكانها من المدنيين، وغالبا ما تتخذ تلك الانتهاكات أشكالا من قبيل الاعتقال التعسفي، والابتزاز، وانتهاك حقوق السكن، وملكية الأراضي، والعقارات.
في تشرين الأول/ أكتوبر، لم يتوقف عناصر الشرطة العسكرية ومختلف فصائل الجيش الوطني السوري عن اعتقال المدنيين في عفرين وما حولها استمرارا لنمط أصبح سائدا منذ أن بسطت تركيا والفصائل الموالية لها سيطرتها على المنطقة في 2018. وكان المركز شاهدا على الزيادة الحاصلة في حالات الاعتقال خلال الأشهر الماضية. واعتقلت الشرطة العسكرية مدنيا أثناء محاولته ترخيص دراجته النارية في جندريس، كما نُفذت اعتقالات أخرى في عفرين واعزاز، وأفرجت الشرطة العسكرية عن بعض المحتجزين بعد أن دفعت عائلاتهم مبالغ الفدية المطلوبة كما ورد. ولاحظ أعضاء فريق التوثيق التابع للمركز حصول زيادة في الأشهر الأخيرة بقيمة المبالغ الذي تشترط الفصائل تقاضيها لقاء الإفراج عن المعتقلين لديها. وأصبح شائعا الآن أن تصل قيمة المبلغ المطلوب إلى بضعة آلاف من الدولارات (2500، أو 5000 دولار ونحو ذلك) بعدما كانت الفصائل تكتفي ببضع مئات من الدولارات فيما مضى.
وتتهم الشرطة العسكرية المحتجزين في كثير من حالات الاعتقال بالتعاون مع سلطات الإدارة الذاتية سابقا، وذلك في إشارة إلى سابق عملهم لدى الإدارة التي كانت تسيطر على المنطقة قبل عام 2018. ولا يعني ذلك بالضرورة أن الشخص المعني منخرط فعلا في حيثيات السياسة الكردية، أو الفصائل المسلحة. وقد اعتقلت الشرطة العسكرية أشخاصا سبق لهم العمل في وظائف مدنية تابعة للإدارة الذاتية كمعلمين، أو ممرضين، أو موظفي بلدية. ويعكف المركز حاليا على دراسة تفاصيل هذا النمط من الانتهاكات بمزيد من التمحيص.
وأصبح كثير من السوريين الذين نزحوا من لبنان أو رُحلوا من تركيا مؤخرا عرضة لخطر التعرض للاعتقال عقب دخولهم فعليا المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا في الشمال السوري. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، أبرز أعضاء فريق التوثيق التابع للمركز وكثير من الإعلاميين المحليين تفاصيل اعتقالات طالت أفرادا عادوا لتوهم من لبنان وتركيا. وبتاريخ 6 تشرين الأول/ أكتوبر، اعتقل عناصر الشرطة العسكرية رجلا بعد خمسة أيام من عودته إلى المنطقة من لبنان، وذلك أثناء محاولته استصدار وثائق من مبنى المجلس المحلي في عفرين. وزُعم أنه أُطلق سراحه لاحقا بعد أن دفع أقاربه مبلغ الفدية المطلوب. وفي 14 تشرين الأول/ أكتوبر، اعتقلت الشرطة العسكرية أيضا رجلا عربيا بالقرب من عفرين عاد من لبنان قبل أسبوع واحد فقط، وذلك بتهمة العمل سابقا لصالح جهاز الأسايش (قوى الأمن الداخلي التابعة لقسد) إلى جانب اعتقال رجل آخر من أهالي عفرين أواسط الشهر بعد أسبوع من ترحيله إلى المنطقة من تركيا. ومن نافلة القول إن المناطق الواقعة تحت السيطرة تركيا بعيدة كل البعد عن أن تكون مناطق آمنة لعودة السوريين إليها طالما ظلت الشرطة العسكرية المؤلفة من عناصر ينتمون لمختلف فصائل الجيش الوطني السوري تصول وتجول في تلك المناطق، ومع الغياب شبه الكامل لأي شكل من أشكال الرقابة على نشاطها، وطالما ظل عناصرها يرتكبون انتهاكات بحق السكان المدنيين مع إفلاتهم من العقاب في أغلب الأحيان.
ولاحظ الموثقون ظهور طوابير طويلة بانتظار التفتيش والتدقيق الأمني للتحقق من هويات السوريين الراغبين بدخول المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا عقب فرارهم من القصف الإسرائيلي على لبنان. وفي أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، أصدرت وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة قرارا بفتح معبر أبو الزندين الحدودي بزعم السماح للفارين من القصف في لبنان بالعبور بين مناطق السيطرة التركية، ومناطق سيطرة الحكومة السورية. ولطالما ظل فتح هذا المعبر (أبو الزندين) مسألة خلافية بين كل من الحكومة المؤقتة، وفصائل الجيش الوطني السوري، والمدنيين طوال الأشهر القليلة الماضية. ونظم كثير من عناصر الفصائل والمدنيين اعتصامات، ووصل الأمر إلى حد قصف المعبر بالقذائف للحيلولة دون افتتاحه مجددا كون ذلك سيُفسر على أنه تطبيع للعلاقات مع الحكومة السورية (النظام)، ويحرم الفصائل من الاستمرار في التربح ماليا من تهريب السلع والبضائع بين المنطقتين عن طريق المعابر غير الرسمية. وفي ضوء استمرار تلك الاحتجاجات، وردت أنباء تفيد بإغلاق معبر أبو الزندين مجددا بعد يومين فقط من افتتاحه في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر.
كما وردت إلى أعضاء فريق التوثيق التابع للمركز تقارير وبلاغات تتحدث عما تعج به الطرق المؤدية إلى الشمال السوري من ممارسات استغلالية واشتراط دفع الرشى والإتاوات مقابل المرور. ولكن ورد أيضا ما يفيد بأن السوريين يجدون ملاذا في تلك المناطق في أغلب الأحيان. وعلى شاكلة أقرانهم ممن دخلوا مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، غالبا ما يتوجه النازحون السوريون القادمون من لبنان عقب دخولهم الشمال السوري إلى أماكن سكن أقاربهم أو أصدقائهم للمكوث عندهم.
وبشكل عام، استمر تأثر المدنيين داخل مناطق السيطرة التركية بتبعات الصراع الدائر بين قسد والجيش الوطني السوري من جهة، وبين هذا الأخير، وقوات الحكومة من جهة أخرى. ونجم عن القصف المدفعي انطلاقا من المناطق الواقعة تحت السيطرة المشتركة للحكومة إصابة 6 أشخاص على مقربة من جرابلس بينهم أربعة أطفال ومعلم. كما تضرر المدنيون جراء سرعة تقلب التحالفات والاقتتال الداخلي بين مختلف فصائل الجيش الوطني مؤخرا، وأدت سلسلة من الاشتباكات بين فصيل صقور الشمال، والقوات المشتركة (مؤلفة من عناصر من فصيلي العمشات والحمزات) إلى نزوح عدد من العائلات من القرى القريبة من حوَر كلّس في تشرين الأول/ أكتوبر، وأسفرت عن وقوع عدة إصابات في صفوف المدنيين، كما وردت إلى أعضاء فريق التوثيق بلاغات حول اضطرار العائلات القاطنة على مقربة من خطوط الجبهة الأمامية مع مناطق سيطرة الحكومة إلى إخلاء منازلها مؤقتا في أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر تحسبا لانطلاق حملة عسكرية كبيرة قريبا.
كما أن فصائل الجيش الوطني السوري ضالعة في ارتكاب انتهاكات مختلفة متعلقة بحقوق السكن، والأراضي، والعقارات في مناطق سيطرتها. وتأتي معظم الانتهاكات حاليا في سياق موعد قطاف محصول الزيتون في المنطقة، وتتخذ شكل سرقة ثمار الزيتون، أو استيفاء رسوم (لقاء كل شجرة) من السكان أصحاب الأرض. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، أقدمت القوات المشتركة (العمشات والحمزات) على قطع 35 شجرة زيتون في أرض أحد الأشخاص على مقربة من عفرين بعد أن سرقوا ثمار الزيتون. وقيل إن الذين أقدموا على قطع تلك الأشجار باعوها أو استخدموها حطبا، وهي من الممارسات الشائعة لعناصر الفصائل على اختلافها. واتفق عناصر فصيل آخر مع متعهد على بيعه محصول 200 شجرة زيتون على مقربة من معبطلي برغم وجود المالك في المنطقة. ويشير أعضاء فريق التوثيق إلى أن عوائد بيع ثمار الزيتون في موسم قطافه تكون كبيرة أحيانا، وهي بالتالي سرقة يرتكبها عناصر من فصائل الجيش الوطني السوري تكبد المدنيين في المنطقة خسائر كبرى وتلحق بهم أضرارا مالية ضخمة بسبب خسارة الدخل المتأتي من موسم الزيتون. ولا تتوفر للمدنيين كثير من قنوات الإنصاف إذا قدموا شكاوى ضد ممارسات عناصر الفصائل، وقد يصبحون عرضة للاعتقال إذا فعلوا ذلك.
كما لم يسلم السوريون الذين يحاولون الفرار باتجاه تركيا من الانتهاكات التي ترتكبها عناصر الجيش الوطني. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، أقدم أحد عناصر حرس الحدود ويُدعى نور حيان رمضان (المعروف باسم أبو طلاس)، وهو من قيادات فصيل العمشات أيضا، على إطلاق النار على أقدام عدد من السوريين بعد أن ألقي القبض عليهم أثناء محاولة عبور الحدود إلى تركيا بشكل غير قانوني على مقربة من جرابلس. وبعد أن ظهر ما قام به أبو طلاس من خلال مقاطع الفيديو التي انتشرت ووثقت الواقعة، زُعم أنه عُزل من منصبه، وأُلقي القبض عليه. وما من شك في أن القبض على أبي طلاس قد يُعد تطورا إيجابيا، ولكن ذلك لا يجعل من مناطق السيطرة التركية آمنة لعودة المدنيين إليها؛ فالمنطقة في نهاية المطاف تحكمها الميليشيات المسلحة، ويشوبها انعدام الأمن عموما، ولا تتوفر فيها فرص للمدنيين لأخذ حقهم من مرتكبي الانتهاكات.
مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام
تُعد هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني من المنظمات الإسلامية السياسية والعسكرية المستقلة اسميا، وهي تبسط سيطرتها على مناطق من محافظة إدلب، وتعمل على الساحة السياسية تحت مسمى "حكومة الإنقاذ السورية".
دخل السوريون واللبنانيون الفارون من القصف الإسرائيلي على لبنان إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام في تشرين الأول/ أكتوبر. ووفقا لما أفاد به أعضاء فريق التوثيق، فإن السوريين الواصلين إلى المنطقة من لبنان يمكثون عند أقاربهم أو أصدقائهم من سكان المنطقة، وتُطبق عليهم الإجراءات الأمنية المعتادة بحق كل سوري دخل مناطق الهيئة قادما من مناطق سيطرة الحكومة في السنوات الماضية. ويُزعم أن كل من يدخل مناطق الهيئة لا بد وأن يُمضي ولو فترة بسيطة في الحجز داخل منشآت احتجاز مؤقتة، ولكن سرعان ما يُسمح لهم بمغادرتها إذا حضر من يكفله (ويزكيه على أنه ليس جاسوسا للنظام أو عميلا يريد زرعه في الداخل).
ويعاني المدنيون في مناطق سيطرة الهيئة جراء استمرار استهدافها بالضربات الجوية، والقصف المدفعي، والهجوم بالمسيرات التي تطلقها الحكومة السورية وحلفاؤها. وعلى الرغم من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار رسميا في 2020، فإن قوات الحكومة السورية وحلفائها لا سيما الميليشيات التابعة لإيران والطيران الروسي جددت هجماتها على أهداف مدنية في مناطق الهيئة والمناطق المحاذية لها منذ أواخر عام 2023، والتي شملت مناطق جنوب إدلب، وأجزاء من حماة وريف حلب الغربي. وتسفر تلك الهجمات عن وقوع خسائر في صفوف المدنيين وإلحاق أضرار مادية بالمنازل، والمزارع، والمركبات، والمدارس، وغير ذلك من منشآت البنية التحتية. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، أورد أعضاء فريق التوثيق أنهم لاحظوا زيادة عدد الهجمات التي تشنها القوات الحكومية والروسية مقارنة بالأشهر القليلة الماضية.
ووردت أنباء عن مقتل رجل ستيني جراء قصف مدفعي حكومي على قرية القصر في ريف حلب الغربي مطلع تشرين الأول/ أكتوبر. كما أورد أعضاء الفريق شن أكثر من 50 ضربة جوية روسية في غضون ثلاثة أيام أواسط الشهر استهدفت مواقع مختلفة من محافظة إدلب أصابت أعيانا مدنية، ومنشآت صناعية، ومحطات الكهرباء. وأسفرت تلك الهجمات عن مقتل 10 مدنيين على الأقل (بينهم نساء وأطفال)، وأوقعت إصابات كثيرة. كما استهدف قصف مدفعي حكومي الأتارب غربي حلب، وأسفر عن سقوط قتيل وجرح اثنين من المدنيين. وفي وقت لاحق من الشهر، أسفر قصف حكومي آخر على سرمين عن جرح اثنين من المدنيين أحدهما طفل. وزُعم أن امرأة قُـتلت جراء قصف مدفعي حكومي على قرية رحاب (بريف حلب الغربي) أواخر الشهر.
وإلى جانب القصف المعتاد بالمدفعية والطائرات، توالت خلال تشرين الأول/ أكتوبر الهجمات التي تشنها الحكومة السورية بالمسيرات على الأهداف المدنية في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام. كما تزايد اعتماد قوات الحكومة السورية على استخدام مسيرات بدائية انقضاضية ومحلية الصنع من طراز FPV (تبث صورا مباشرة لمشغلها أثناء التحليق ولدى الاقتراب من الهدف)، وتتسبب بوقوع إصابات في صفوف المدنيين بين قتيل وجريح، وإلحاق أضرار مادية كبيرة بالممتلكات. وقد جُرح فتى في عمر المراهقة عقب إصابته بمسيرة أُطلقت من مناطق سيطرة الحكومة أثناء عمله في مزرعة العائلة على مقربة من بلدة البارة (في جنوب محافظة إدلب). وأسفرت سلسلة هجمات بالمسيرات على قرية كفر نوران (ريف حلب الغربي) عن إلحاق أضرار بثلاث مركبات وإحدى آليات حفر الآبار. كما أبلغ أعضاء فريق التوثيق عن استهداف الأتارب غربي حلب بأكثر من 20 مسيرة من طراز FPV في غضون أسبوع واحد فقط خلال تشرين الأول/ أكتوبر، أصابت معظمها سيارات مدنية.
ويُعد ذلك كله مجرد أمثلة بسيطة وغيضا من فيض الوقائع المشابهة، فقد وردت لأعضاء فريق التوثيق بلاغات كثيرة تفيد بوقوع هجمات بالمسيرات في إدلب وريف حلب الغربي خلال تشرين الأول/ أكتوبر. ويستدعي الأمر دوام الانتباه لطبيعة استخدام الحكومة للمسيرات في استهداف المدنيين لا سيما في ظل انخفاض تكاليف تصنيعها بما يتيح لقوات الحكومة أن تستمر بكل يسر وسهولة في تهديد سلامة المدنيين وأرواحهم، وزعزعة استقرار المناطق التي تسعى جاهدة لمعاودة بسط سيطرتها عليها.
كما يعاني المدنيون في مناطق هيئة تحرير الشام، لا سيما المعارضون لها، من سوء المعاملة على أيدي عناصر الهيئة وقواتها الأمنية. وفي شباط/ فبراير 2024، نظم المدنيون -ومعظمهم نازحون من مناطق أخرى داخل سوريا- احتجاجات ضد إجراءات الهيئة وممارساتها الشائعة من قبيل الاعتقال التعسفي والتعذيب في منشآت الاحتجاز التابعة لها. وطالب المحتجون بتنحي الجولاني، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإصلاح أجهزة الأمن التابعة للهيئة. وتراجعت وتيرة تلك الاحتجاجات بشكل طفيف لاحقا على الرغم من استمرارها طوال فصل الصيف الماضي.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر، أبلغ أعضاء فريق التوثيق عن تراجع النشاط الاحتجاجي مقارنة بالأشهر الماضية. ويُعزى ذلك وفق تقديرهم إلى أن أحداثا وتطورات أخرى (من قبيل موضوع النازحين السوريين واللبنانيين الذين فروا إلى المنطقة من لبنان، وموضوع القصف الإسرائيلي على مناطق في سوريا) طغت على موضوع الاحتجاجات ضمن اهتمامات أهالي المنطقة، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ وتيرة الاحتجاجات ضد الهيئة. ولكن هيئة تحرير الشام لم تتوقف عن احتجاز الأشخاص خلال الشهر لا سيما من سبق له الانتماء لجماعات سياسية أو عسكرية منافسة للهيئة (من قبيل حزب التحرير)، أو الذين شاركوا في الاحتجاجات ضدها. مع ذلك، أشار أعضاء فريق التوثيق إلى تراجع عدد الاعتقالات السياسية نسبيا إذا ما قورنت بعدد الحالات في الأشهر القليلة الماضية.
وعلى غرار ما يتعرض له الأشخاص الذين يحاولون دخول تركيا من مناطق السيطرة التركية في الشمال السوري، فإن من يسعون إلى دخول الأراضي التركية من مناطق سيطرة الهيئة يجدون أنفسهم عرضة لانتهاكات خطيرة على أيدي عناصر حرس الحدود التركي. ووفقا لما جاء في وسائل إعلام محلية، احتجز حرس الحدود التركي رجلا سوريا يُدعى أحمد الآغا عقب محاولته دخول تركيا بشكل غير قانوني. وزُعم كما ورد أنه تعرض للضرب والتعذيب في الحجز قبل أن يُعاد إلى سوريا، ويعثر عليه عناصر الدفاع المدني على مقربة من معبر سد الصداقة، ويُنقَل إلى المشفى في إدلب، حيث لفظ أنفاسه أواخر الشهر متأثرا بإصاباته الناجمة عما تعرض له من ضرب مبرح. ويظل السوريون عرضة لخطر الإساءة الجسدية التي يعد التعذيب واحدا منها عندما يحاولون دخول الأراضي التركية سواء أكانوا قادمين من مناطق الهيئة أو المناطق الواقعة تحت سيطرة تركيا (راجع الجزء السابق حول قصة أبو طلاس)