سجن سد المنصورة التابع لتنظيم داعش سابقا

التحقيق في مصير المعتقلين

مقدمة

بعد أكثر من أربع سنوات على دحر تنظيم داعش، لا يزال الغموض يكتنف مصير ومكان وجود الآلاف من السوريين الذين فُقدوا في المناطق التي كانت واقعة تحت سيطرة التنظيم، فضلاً عن وجود آلاف الجثث المجهولة الهوية عقب انتشالها من مقابر جماعية ومن تحت أنقاض المباني التي دمّرها القصف. ولا تزال عشرات الآلاف من العائلات غير قادرة على طيّ صفحة ألم فقد الأحبة لعدم معرفتها بمصيرهم، وإذا كانوا على قيد الحياة أم لا.

حرص المركز السوري للعدالة والمساءلة (SJAC) طيلة السنوات الثلاث الماضية على العمل عن كثب مع فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري (SMFT) بالرقة، في سياق التحقيق في قضايا المفقودين هناك. وتولى المركز حتى تاريخه توثيق تفاصيل اختفاء نحو 600 شخص من المفقودين في المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في سوريا، وتعاون في هذه الأثناء مع الفريق من أجل إجراء التحقيقات والاستقصاءات المتعلقة بأماكن احتجاز أولئك المفقودين ومواقع دفن من قُتل منهم. ويحرص المركز والفريق بذلك على إرساء أسس وقواعد العمل المعني بتحديد مصير ومكان المفقودين والتعرف إلى هوية أصحاب الرفات.

الشكل 1: يقع الموقعان قيد الدراسة في هذا التقرير على بعد نحو 25 كلم إلى الغرب من مدينة الرقة

 يعطي النهج الذي يعتمده المركز في البحث عن المفقودين الأولوية لإجراء استقصاءات ميدانية موسّعة، لا بد من مراعاة تفاصيلها قبيل استخراج الرفات من المقابر الجماعية، وهو (استخراج الرفات) أول إجراء يتبادر عادة إلى أذهان المعنيّين بالبحث عمن فُقدوا في سياق النزاعات المسلحة. وتتضح فائدة هذا النهج الذي يعتمده المركز وجدواه من خلال تلخيص نتائج التحقيقات الجارية من أجل تحديد مصير ضحايا الاعتقال لدى تنظيم داعش في سجن مجمع مباني سد المنصورة غربي مدينة الرقة، وواقعة إعدام أشخاص ومواراة جثامينهم الثرى، في مقبرة تقع على مقربة من قرية السلحبية الغربية (انظر الشكل رقم 1 للاطلاع على خارطة الموقعين). وعن طريق الاستعانة بإفادات الناجين من الاعتقال هناك، وشهود العيان الداخليين، وعائلات المفقودين، وتحليل وثائق عائدة للتنظيم، وصور الأقمار الصناعية، تمكن المركز وفريق شؤون المفقودين من وضع معالم جدول زمني يصف مراحل حجز الأشخاص في تلك المنشأة، واكتشفا تفاصيل خاصة بإعدام السجناء المحتجزين هناك، وشرعا باستقصاء تفاصيل اختفاء ستة أشخاص انقطعت أخبارهم بعد أن شوهدوا أحياء لآخر مرة في ذلك السجن حينها. ولا تقتصر أهمية تلك الجهود على تسليط الضوء على الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش وحسب، بل إنها توفر معلومات حول المثوى الأخير لبعض الذين كانوا معتقلين في سجن سد المنصورة.

وبالتعاون الوثيق مع  مؤسسة الطب الشرعي الأنثروبولوجي  في غواتيمالا، يحدو المركز السوري للعدالة والمساءلة الأملُ بأن تفضي تلك التحقيقات إلى إمكانية تحديد هوية ضحايا داعش، ومطابقتها عن طريق الاستعانة بتحليل الحمض النووي. كما يهدف المركز من خلال فهم طبيعة الأفراد المحتجزين في تلك المنشآت وخصائصهم، وربطها بالمواقع المحتمل أن تكون مقابر جماعية دُفن الضحايا فيها، إلى تضييق هامش احتمالات المطابقة لتحديد هوية أصحاب الرفات التي تم استخراجها من مقابر بعينها، وتبسيط عملية التعرف إليها مستقبلاً باستخدام تحليل الحمض النووي. ولا ينقطع بالطبع أمل العائلات والمحققين بإمكانية العثور على المفقودين أحياء، ولذلك يتم استقصاء مدى إمكانية وجودهم في مرافق الاعتقال التابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أو برفقة عناصر داعش المحتجزين في مخيم الهول وغيره من مخيمات إيواء النازحين، ولا سيما أن السلطات القائمة عليها غالباً ما تمنع المُحتجزين في تلك المخيمات من التواصل مع العالم الخارجي. كما يهدف المركز في نهاية المطاف إلى تحديد هوية جميع الذين فُقدوا في المناطق التي كانت تحت سيطرة داعش في أنحاء متفرقة من سوريا، ولمّ شمل الأحياء منهم بأفراد عائلاتهم، أو إعادة رفات المتوفَّين إلى ذويهم لمواراتهم الثرى حسب الأصول.

ويباشر هذا التقرير عقب الفقرة التي تلخص المنهجية والنتائج الرئيسية، تحليل تفاصيل التطور باستخدامات سجن مجمع مباني سد المنصورة تنظيمياً وإنشائياً، ويركّز بشكل خاص على المنشأة السرية المستخدمة كسجن في المكان عينِه. كما يصف التقرير مواصفات وخصائص الذين تم احتجازهم هناك، ويستعرض بعض الوقائع الرئيسية أثناء مدة الاعتقال، ويبيّن الأنماط المتّبعة في إعدام السجناء حينها. ثم ينتقل التقرير في القسم الثاني إلى موقع المقبرة الجماعية في السلحبية الغربية ليصف أبعاد الموقع وسماته، والتغيرات التي طرأت عليه بمرور الوقت، ويعرض باختصار النتائج الرئيسية المستقاة من بيانات استخراج الرفات من الموقع. ثم تصف فقرة الاستنتاجات باختصار الاتجاهات العامة المحتملة مستقبلاً على صعيد التحقيقات وجهود تحديد هويات الضحايا ومطابقتها.

المنهجية والنتائج الرئيسية

يعتمد هذا التقرير على الأبحاث الميدانية ومعلومات التوثيق التي جمعها المركز والفريق من المصادر المفتوحة على مدار 18 شهراً خلت. وتضمّن تقرير سابق صادر عن المركز بعنوان " إحياء الأمل: البحث عن ضحايا داعش من المفقودين "، تحليلاً لصور الأقمار الصناعية لمجمع سجون سد المنصورة، وتقارير أولية تربطه بمقابر جماعية في السلحبية الغربية. كما يورد المركز في هذا التقرير صوراً إضافية لمنشأة الاعتقال والمقابر، ومعلومات توثيقية جديدة مفتوحة المصدر بخصوص الوقائع المتعلقة بكلا الموقعيْن عندما كانا تحت سيطرة تنظيم داعش (مثال: مصادر من قبيل وسائل التواصل الاجتماعي، وتقارير إخبارية محلية، وأحكام قضائية). وهي معلومات تكميلية تعضُد التوثيق باستخدام وثائق صادرة عن التنظيم ومعلومات حول الرفات المستخرجة من المقبرة الجماعية. وختاماً، والأهم من ذلك كله، حصل المركز وفريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري على شهادات شفوية مهمة عقب إطلاق مناشدات للجمهور لتقديم معلومات بهذا الخصوص، وعقب القيام بزيارات ميدانية إلى سجن سد المنصورة، والمقبرة في السلحبية الغربية. وأما الإفادات الشفوية فمصدرها المقابلات والاتصالات اللاحقة التي أُجريت مع أفراد فريق شؤون المفقودين المشاركين في عمليات استخراج الرفات من السلحبية الغربية، ونحو عشرين من عائلات ذوي المفقودين الذين يُزعم أنهم كانوا محتجزين في سد المنصورة، وستة من الناجين من السجن، وشاهدين اثنين على ممارسات تنظيم داعش في مراكز الاعتقال (شهود داخليين)، وشاهد ثالث لديه إلمام ومعرفة مباشرة بمعلومات حول تجهيز المقبرة الجماعية في السلحبية الغربية. وتشمل مقتطفات من المعلومات التوثيقية مخططاً توضيحياً لموقع المقبرة الجماعية، وصوراً فوتوغرافية مُلتقَطة من داخل مجمع سجون سد المنصورة تتخلل مختلف أقسام التقرير.

سجن سد المنصورة

وتسنّى للمركز من خلال تحليل المعلومات التوثيقية أن يؤكد إقدام داعش على إعدام المحتجزين في عهدته داخل مجمع سجون سد المنصورة عقب تعذيبهم، دون محاكمة في أغلب الأحيان. وعلاوة على ذلك، حدّد المركز هوية 11 معتقلاً شوهدوا في ذلك السجن في الفترة بين شباط/ فبراير 2014، وآذار/ مارس 2015. كما حدد المحققون مواقع ثلاث مقابر جماعية يُحتمل أن تكون هي مثوى رفات سجناء سد المنصورة الذين أُعدموا لاحقاً. وفي المجمل، يقدّم التوثيق المزيد من الأدلة على جرائم داعش، ويرسم معالم خارطة طريق لتحديد مصير ومكان وجود بعض من كانوا قيد الاعتقال في سد المنصورة.

القسم الأول: داخل أحد سجون داعش

يبعد سدّ المنصورة الواقع على نهر الفرات نحو 20 كلم عن مدينة الرقة. وفي شباط/ فبراير 2013، استولى عدد من جماعات المعارضة المسلحة -بما في ذلك جبهة النصرة- على السد، وبسطت سيطرتها على البلدات والقرى القريبة منه قبيل فترة وجيزة من انتزاع مدينة الرقة من أيدي قوات الحكومة السورية. وثمة تقارير تحدثت عن احتجاز أشخاص في تلك الفترة بعهدة جبهة النصرة أوائل عام 2013، ولكن لم يتمكن المركز السوري للعدالة والمساءلة من توثيق حصول تلك الممارسة بشكل مستقل. [1]  ومن الواضح أنه بحلول شهر تموز/ يوليو 2013، وعقب انشقاق تنظيم داعش عن جبهة النصرة ودحرها خارج مدينة الرقة، بسط التنظيم سيطرته على السد، وحوله إلى منشأة لاحتجاز المدنيين وعناصر الجماعات المسلحة الأخرى. [2]  وعلاوة على ذلك، توسع تنظيم داعش في استخدام السد كمكان لاحتجاز الأشخاص كما سيرِد في القسم التالي.

تطور استخدامات مجمع مباني سد المنصورة

الشكل 2: المبنى الرئيسي في السد (المبنى "أ")، ومنشأة الاعتقال المؤقت (المبنى "ب")، حزيران/ يونيو 2014

تغيّرت طبيعة استخدام مباني مجمع سد المنصورة ومواقع منشآت الاعتقال فيه في الفترة بين عامي 2013، و2016، علماً بأن السد نفسه ظل يعمل طيلة تلك الفترة ولم يخرج من الخدمة، حيث تولّى الموظفون المدنيون تسيير العمل في المبنى الرئيسي (المبنى "أ" الظاهر في الأشكال 2، و3، و5)، وعملوا أيضاً في بعض مباني المجمع الأخرى أحياناً. وفي 2013، استُخدم المبنى "ب" (كما يطلق المركز عليه) لاحتجاز الأشخاص (انظر الشكلين 2، و3 لمشاهدة صورة مجمع مباني السد)، حيث شاعت ممارسة التعذيب بشكل روتيني، بما في ذلك جلد المحتجزين. كما سبق أن ضمّ المبنى "ب" معدات فنية وورش عمل لإصلاحها (انظر الشكل 4 لمشاهدة صورة المبنى من الداخل).

الشكل 3: منشأة ملحقة لأغراض احتجاز الأشخاص مؤقتا (المبنى "ج") تشرين الأول/ أكتوبر 2015  

تشير المعلومات التوثيقية المستقاة من مصادر مفتوحة في 2013 إلى احتمال استخدام تنظيم داعش المبنى لاعتقال الأشخاص الذين يتم الإمساك بهم واحتجازهم أول مرة على أيدي أحد الأجهزة الأمنية الثلاثة التابعة للتنظيم، وهي الشرطة الإسلامية التي تولت ملاحقة القضايا المدنية والجنائية، وجهاز الحسبة الذي عَني بمتابعة الأخلاق العامة، والمكتب الأمني، وهو جهاز سري لاحقَ الأشخاص ذوي الأهمية السياسية من قبيل عناصر الجماعات المسلحة الأخرى والناشطين المدنيين. [3]  وعليه ومع أنه سبق للمركز أن أكد ضرورة تحديد الجهاز التابع للتنظيم الذي تولى إدارة منشأة احتجاز بعينها كي يتسنّى تحديد خصائص أولئك المعتقلين، فلا يزال من الصعب معرفة الجهاز الأمني الذي أدار شؤون الاعتقال في مجمع سجون سد المنصورة على وجه التحديد. ويظهر من وحي أعمال التوثيق التي قام المركز بها أن عناصر من جهاز الحسبة هم من تولّوا إدارة ذلك الموقع، بيد أن وثائق من مصادر مفتوحة أشارت أيضاً إلى أن عناصر الجهاز الأمني كانوا يهيمنون على المكان ولهم الكلمة العليا فيه [4] .

الشكل 4: داخل منشأة حجز الأفراد مؤقتاً في المبنى "ب"، تموز/ يوليو 2013

في 2014، ووفقاً لما أفاد به أحد الشهود، شيد تنظيم داعش منشأة إضافية في المنطقة نفسها داخل مجمع مباني سد المنصورة (المبنى "ج" الظاهر في الشكل رقم 3). وتشير صور الأقمار الصناعية الملتقطة سابقاً إلى وجود منشأة إضافية فعلاً في الفترة بين حزيران/ يونيو 2014، وتشرين الأول/ أكتوبر 2015 (انظر الشكل رقم 3). ويبدو أن تلك الفترة قد شهدت استخدام المبنيين "ب، وج" لأغراض احتجاز الأشخاص العاديين مؤقتاً، أي من قام جهاز الحسبة والشرطة الإسلامية باعتقالهم على الأرجح.

وبالإضافة إلى منشآت الاعتقال المؤقت، شهد أوائل العام 2014 قيام التنظيم بنصب نقطة تفتيش (حاجز أمني) على الطريق المرتفع فوق خزان السد، وأنشأ معسكراً لتدريب المقاتلين الأطفال [5]  في مكان ما داخل مجمع مباني سد المنصورة. ومنح الحاجز التنظيم قدرة التحكم بالطريق الرئيسي المؤدي إلى طريق (M4) السريع، وهو الطريق الرئيسي الواصل بين المدن القائمة على ضفتي نهر الفرات.

الشكل 5: موقع منشأة حجز المعتقلين الأمنيين لفترات طويلة (ثكنات الهجانة)، خارطة من وزارة الحرب.

وختاماً، حوّل تنظيم داعش مطلع 2014 ثكنات استخدمها الجيش السوري سابقاً في مجمع مباني سد المنصورة إلى منشأة حجز سرية لاعتقال السجناء المهمّين لفترات طويلة داخلها. ويرى المركز في هذه المنشأة تحديداً أهمية خاصة في سياق البحث عن المفقودين، لأن من اعتقله التنظيم فيها فُقد أثره ولم يُشاهَد مجدداً، ويُرجّح أنه قد تم تصفيته. وتقع الثكنات على بعد 700 متر إلى الجنوب الغربي من مجمع مباني سد المنصورة بمحاذاة خزان السد مباشرة، وسبق أن كانت الثكنات مقراً لأحد فصائل فرقة الهجانة التابعة للجيش السوري، ومستودعاً لمعدات فنية مرتبطة بتشغيل السد وصيانته (انظر الشكل رقم 5). وتألف السجن من اثنتين أو ثلاث ثكنات من طابق واحد، ونصب التنظيم أسلاكاً شائكة بمحيط 20 متراً، ومُنع المدنيون العاملون في السد من الاقتراب منها. كما مارس داعش تعذيب المعتقلين في سجن ثكنات الهجانة الأمني السري مستخدِماً الجَلد وممارسات الإذلال الجنسي بحقهم.

تشير المقابلات التي أُجريت مع العائلات إلى أن السجن الأمني في ثكنات الهجانة دخل الخدمة اعتباراً من آذار/ مارس 2015، قبل أن يُغلق بحلول العام 2016، وفقاً لما أفاد به أحد شهود العيان الداخليين من داخل التنظيم، حيث أصبح مجمع مباني سد المنصورة في ذلك الوقت يُستخدم مركزاً للشرطة الإسلامية فقط، ومن المحتمل أن هذا الجهاز ظل يعتقل الأشخاص لفترات وجيزة أيضاً. [6]  واستَهدفت قوات التحالف الدولي لدحر داعش مباني السد بضربات جوية قبل أن تُجبِر التنظيم على مغادرة المنطقة في حزيران/ يونيو 2017.

ممارسات الاعتقال في مجمع سد المنصورة، ومدته، ونطاقه

تشير إفادات الناجين والشهود الداخليين إلى أن المبنيين ("ب"، و"ج") استُخدما بحلول العام 2014 لأغراض اعتقال سجناء الشرطة الإسلامية وجهاز الحسبة، فيما ظل السجن الأمني السري في ثكنات الهجانة مخصصاً لمعتقلي الفترات الطويلة. وكان المبنيان (ب) و(ج) بطاقة استيعابية تتراوح ما بين 15 و20 معتقلاً بشكل متزامن، احتُجزوا لفترات تتراوح بين يوم واحد وعدة أسابيع. [7]  وأجرى المركز مقابلتين مع اثنين من الناجين من المنشأتين، وقال أحدهما إنه اعتُقل لمخالفته الأخلاق العامة، فيما قال الآخر إنه اعتُقل بتهم الاعتداء بالضرب عقب مشاجرة عنيفة مع مجموعة من الأشخاص. وقال الناجي الثاني إنه لم يلتقِ بغير المدنيين داخل السجن ممن اعتُقلوا مثله على خلفية تهم بسيطة (على الرغم من اتهام البعض منهم لاحقاً بالعمل لصالح النظام السوري). [8]  وفي المقابل، يظهر أن منشأة الاعتقال في ثكنات الهجانة استُخدمت لاعتقال بضع عشرات من المحتجزين لفترات وصلت إلى نحو ستة أشهر. ويذكر الناجون من واقعة اعتقال جماعي أن المنشأة استُخدمت لاعتقال ما بين 80 و90 شخصاً في عدة غرف داخل ثكنات الهجانة. [9]  وتتّسق روايتهم مع إفادة أحد الشهود الداخليين من داخل التنظيم، الذي يذكر أنه في إحدى المناسبات الاستثنائية في 2014، أو 2015، شاهد اقتياد ما بين 40 و60 معتقلاً من الثكنات. [10]  

تمكّن المركز السوري للعدالة والمساءلة عن طريق المقابلات مع ذوي الضحايا، والناجين، والشهود الداخليين أن يوثق بشكل مستقل أسماء 25 شخصاً احتجزهم داعش داخل مجمع مباني سد المنصورة، أي في المبنيين ("ب"، و"ج")، وفي السجن الأمني السري داخل ثكنات الهجانة. وعلاوة على ذلك أشارت المقابلات التي أوردت أسماء أولئك الأشخاص إلى عشرات الأشخاص الآخرين الذين كانوا مُحتجَزين في ذات المنشأة، على الرغم من عدم توفر معلومات كافية حالياً تتيح تحديد هوياتهم. ويجعل هذا الرقم تلك المنشأة من أكثر المباني التي استخدمها التنظيم لاعتقال الأشخاص وفقاً لما توصّل المركز إليه من توثيق، مع الأخذ في الحسبان محدودية النطاق الجغرافي لحركة منسّقي المركز ميدانياً على الأرض. 

كما وثّق المركز السوري للعدالة والمساءلة تفاصيل سبع حالات شهدت نقل مفقودين رفقة محتجزين آخرين أحياناً إلى سجن مجمع مباني سد المنصورة، من مناطق أخرى داخل محافظة الرقة، بما في ذلك تحويلهم أو ترحيلهم عقب احتجازهم عند الحواجز الأمنية (ولا سيما حاجز سد المنصورة الأمني)، أو المحاكم الشرعية، أو غير ذلك من منشآت الاعتقال. ومع ذلك، فلم يعثر المركز على ما يفيد بوجود نطاق اختصاص جغرافي محدد ومحصور في السجن الأمني داخل مجمع سد المنصورة. وفي واقع الحال، تُظهر وثائق من داخل تنظيم داعش في مناسبتين مختلفتين، قيام فصيل تابع للشرطة الإسلامية في بلدة المنصورة بتحويل أشخاص معتقلين لديها إلى بلدة الطبقة القريبة، حيث حوّلت الشرطة في إحدى الحالتين السجين إلى مكتب الطبقة الأمني، على الرغم من أن مكتب المنصورة الأمني كان يدير سجناً سرياً داخل مجمع مباني السد (انظر الشكل رقم 6). ولا تُظهر الوثائق ما إذا تم اعتقال السجين مؤقتاً في سجن الفترات القصيرة داخل سد المنصورة، أو في أي منشآت أخرى داخل بلدة المنصورة. وفي جميع الأحوال، لا تُظهر الوثيقتان أن تنظيم داعش قد اعتاد تحويل السجناء المعتقلين لفترة وجيزة من المبنيين (ب، وج) إلى السجن السري داخل ثكنات الهجانة.

الشكل 6: أمر تحويل سجين صادر عن الشرطة الإسلامية في المنصورة إلى مكتب الطبقة الأمني (تشرين الثاني/ نوفمبر 2014)

خصائص المعتقلين، ووقائع بارزة

ما هي سمات المعتقلين في مجمع سجون سد المنصورة؟ وما هي طبيعة الوقائع ذات الصلة بتلك المنشأة؟

كما ورد آنفاً، استُخدم مجمع سجون سد المنصورة ككل لاعتقال المحتجزين من خلفيات مختلفة بعد أن اعتقلهم التنظيم لأسباب متنوعة. ويبدو أن السجن الأمني السري في ثكنات الهجانة على وجه التحديد قد خُصص لمعتقلين ينتمون لأقليات عرقية ولغوية ودينية محددة، حرص داعش على اعتقالهم بشكل جماعي في وقائع استهدفت أقليات بعينها. ويختلف هذا السجن عن المبنيين (ب، وج) اللذينِ خُصّصا لاعتقال أشخاص ألقى التنظيم القبض عليهم في حالات فردية على خلفية طائفة متنوعة من تهم مخالفة أحكام قوانين داعش الجنائية والمدنية، وقواعد الأخلاق العامة.

واتضح أن جميع الأشخاص، والبالغ عددهم 11 شخصاً، ممن تمكن المركز من خلال المقابلات التي أجراها مع ذوي الضحايا والناجين، من المحتجزين في ثكنات الهجانة، هم من الأكراد أو ممن تربطهم صلات بأقليات دينية وعرقية أو لغوية معينة. ولعل ذلك ينسحب أيضاً على العشرات ممن زُعم أنهم اعتُقلوا في الثكنات، ولكن لم يتسنّ للمركز بعد أن يحدد أسماءهم بشكل مستقل وكامل. ويختلف هذا الوصف كلياً عن الخلفية الاجتماعية للناجين والمفقودين، الذين تشير عمليات التوثيق التي قام بها المركز وغيره من المصادر المفتوحة، إلى أنهم كانوا معتقلين في المبنيين (ب، وج)، والذين يبدو أنهم كانوا عرباً، ومدنيين في الغالب، دأب جهاز الحسبة والشرطة الإسلامية على اعتقالهم بشكل يومي ولفترات وجيزة جداً. وليس مفاجئاً أن يكون غالبية معتقلي ثكنات الهجانة من الأكراد، وذلك لسببين: أولاً، اتسمت هذه المنطقة من سوريا بكونها ذات أغلبية كردية في بدايات النزاع السوري. وثانياً، تصاعدت حدّة الاشتباكات المسلحة بين داعش والقوات الكردية اعتباراً من العام 2013 فصاعداً، ولذلك عمد تنظيم داعش إلى أسر أو اعتقال مدنيين ومقاتلين أكراد لأغراض استخدامهم في صفقات تبادل الأسرى لاحقاً.

واقعة تحت المجهر: عملية اعتقال جماعي

وفي إحدى أكبر الوقائع التي درس المركز تفاصيلها لأغراض إعداد هذا التقرير، اعتقل عناصر داعش نحو 100 كردي سوري في سجن سد المنصورة الأمني، في الفترة من أواخر شباط/ فبراير إلى أواخر أيار/ مايو 2014. وكان اعتقال هذه المجموعة من الأكراد في سجن سد المنصورة مجرد محطة في سلسلة طويلة من الاعتقالات، والترحيل، والإعدامات، وإخلاء سبيل البعض في نهاية المطاف (انظر الشكل رقم 9). 

 وفي 19 شباط/ فبراير 2014، أوقفت إحدى دوريات داعش المسيّرة قافلة من حافلات النقل الصغيرة (الميكروباص) على مقربة من قرية العالية في محافظة الحسكة، وكان معظم ركاب الحافلات من الشبان الأكراد، يرافقهم بعض النساء والأطفال، ممن تركوا منازلهم في منطقة كوباني (عين العرب) بحثاً عن فرصة عمل في إقليم كردستان-العراق. وبعد أن أطلق عناصر دورية داعش سراح الأطفال والنساء وبعض سائقي حافلات القافلة، تحفّظوا على 160 رجلاً داخل إحدى صوامع الحبوب القريبة (انظر الشكل رقم 8) قبل أن يتم ترحيلهم إلى منشأة حجز تحت الأرض في تل أبيض. [11]  وسمعت عائلات ركاب القافلة عن اعتقال أبنائهم من سائقي الحافلات والنساء والأطفال الذين عادوا إلى كوباني (عين العرب)، فيما سمعت إحدى العائلات خبر الاعتقال مباشرة من عناصر داعش الذين نفّذوا عملية الاعتقال. [12] 

الشكل 7: صورة زُعم أنها لمعتقلين أكراد لحظة توقيفهم واحتجازهم مؤقتاً في صوامع العالية غرب تل تمر بتاريخ 19 شباط/ فبراير 2014، ولم يتمكن المركز من التحقق بشكل مستقل من تاريخ التقاط الصورة.

وبين 20 و28 شباط/ فبراير، اقتاد عناصر داعش نصف المعتقلين في تل أبيض تقريباً إلى موقع آخر، كونهم لم يبرهنوا أن لديهم معرفة كافية بالدين الإسلامي. [13]  ومن غير المعلوم ما إذا كان الموقع الآخر يقع داخل منشأة الاعتقال في تل أبيض، أو إذا كان في منشأة أخرى مختلفة تماماً. وسمع أحد الناجين كلاماً حينها، بما يفيد أنه سوف يتم إخلاء سبيل تلك المجموعة، فيما سمع آخر أنه سوف يتم احتجازهم في منشأة خصصها التنظيم لتلقين الدروس والمواعظ الدينية والأخلاقية (دورات الاستتابة). [14]  وكانت تلك هي آخر مرة يُشاهَد فيها أحد من أفراد هذه المجموعة لاحقاً في جميع الأحوال. وبحلول 5 آذار/ مارس، رحّل تنظيم داعش أولئك المعتقلين الذين ليس لديهم إلمام كافٍ بالدين، وعددهم 95 فرداً تقريباً، إلى سجن سد المنصورة الأمني. ولم يتمكن المركز من حصر أسمائهم جميعاً، حيث شوهد 30 منهم آخر مرة في السجن السري داخل ثكنات الهجانة. وهو ما يجعل هذه المجموعة من المعتقلين محطّ تركيز مهم لجهود المركز التحقيقية المتعلقة بمجريات الأمور داخل مجمع مباني سد المنصورة. وتوصّل المركز إلى ذلك الرقم عن طريق جمع إفادات الناجين وعائلات 20 ضحية من المفقودين، ولكن لا ينفي ذلك ضرورة القيام بالمزيد من العمل التوثيقي من أجل التحقق من هويات أفراد تلك المجموعة.

واحتُجز أفراد المجموعة البالغ عددهم 95 معتقلاً تقريباً عقب نقلهم إلى سجن سد المنصورة في غرفتين أو عنبرين متجاورين داخل ثكنات الهجانة بادئ الأمر. وبعد مرور أيام قليلة، قام عناصر داعش بفصل نحو 32 فرداً من المجموعة من الباقين، بحجة عدم إلمامهم الكافي بالدين. وقبل فرز أفراد المجموعتين، شاهد أحد الناجين إعدام شخصين من المجموعة في محيط الثكنات، ويذكر أنه سمع أصوات الثلاثين معتقلاً الآخرين من إحدى الغرف المحاذية لمكان اعتقاله طيلة فترة احتجازه في سجن سد المنصورة الأمني. وتم ترحيله رفقة ناجين آخرين إلى منبج أواخر أيار/ مايو قبل أن يُخلى سبيلهم في منبج في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2014. [14]  وتمكن المركز من خلال مقابلات أجراها مع عائلات المفقودين من تحديد هوية ستة أفراد بين مجموعة المعتقلين البالغ عددها 30 شخصاً، ممن يظهر أنهم ظلوا معتقلين بشكل منفصل داخل سجن سد المنصورة الأمني إلى أواخر أيار/ مايو 2014. [15]  وكان ذلك هو آخر موقع معلوم لهم، ولم يكن الناجون على يقين بشأن إعدام أولئك الأفراد، ولم يتسنَّ للمركز أن يتحقق من هذه الواقعة، علماً بأنه من المُحتمل أن تكون رفات أربعة من أفراد تلك المجموعة قد استُخرجت من مقبرة جماعية في مكان آخر داخل محافظة الرقة.

إعدام المعتقلين، ومواقع الدفن المحتملة

الشكل 8: الأحداث (المحطات) الرئيسية في واقعة الاعتقال الجماعي لمدنيين أكراد في شباط/ فبراير 2014، ويرتبط الحدث (المحطة) رقم 3 بسجن سد المنصورة.

استمر تنفيذ الإعدام بحق المعتقلين طيلة فترة سيطرة داعش على مجمع مباني سد المنصورة (من أواسط 2013 إلى أواسط 2015 على أقل تقدير). وتم الإبلاغ عن بعض من تلك الإعدامات فعلاً، حيث علمت منظمة العفو الدولية أواسط العام 2013 على سبيل المثال من خلال الناجين من معتقلي الفترات القصيرة (في المبنيين ب، وج)، أن داعش أصدر أوامر إعدام عدة مرات في الأسبوع، بما في ذلك الأمر بإعدام شخصين سبق أن تم نشر اسميهما .[17]  وزعم الناجون أنفسهم أنهم سمعوا من السجّانين والمعتقلين الجدد أن الإعدامات نُفذت فعلاً في ساحات بلدة المنصورة. ومن غير الواضح كيف تخلص عناصر داعش من جثث معتقلي سد المنصورة عقب إعدامهم في 2013، وذلك على الرغم من أن آمر السجن أخبر المعتقلين حينها أنهم كانوا يلقون الجثث في خزان السد. [18]  ومع تلوث مياه خزان السد بحلول ذلك الوقت، وفقاً لما جاء في إفادات الناجين، فمن المنطقي الافتراض بأن تنظيم داعش قد آثر في الأشهر والسنوات اللاحقة التخلص من جثث المعتقلين عقب إعدامهم من خلال نقلهم إلى مواقع دفن أخرى.

كما سلّط العمل التوثيقي الذي قام به المركز، الضوء على الإعدامات المنفّذة بحق المعتقلين من عام 2014 فصاعداً، وهي حالات لم تكن تفاصيلها معلومة فيما سبق. وتتّسق بعض تفاصيل التوثيق الذي قام به المركز مع مواقع تنفيذ الإعدامات التي تم تحديدها في تقرير منظمة العفو الدولية. وعلى سبيل المثال، أخبر أحد الناجين المركز ، عقب الإفراج عنه من منشأة الاعتقال المخصصة للفترات القصيرة أو المؤقتة أواسط شهر آب/ أغسطس من عام 2014، أنه شاهد إعدام اثنين من الذين كانوا معتقلين برفقته في سوق بلدة المنصورة القريبة بعد اتهامهما بالعمل لصالح النظام السوري. [19] 

كما علم المركز أن تنظيم داعش أعدم معتقلين من السجن الأمني المخصص لفترات الاعتقال الطويلة في ثكنات الهجانة. وفي 2014، و2015، سمع أحد الشهود الداخليين صوت إطلاق عيارات نارية مصدره تلك المنطقة، واقترب بنفسه مرة من الثكنات وشاهد أحد المعتقلين وهو يُلقى به إلى حتفه من أعلى أحد المباني. [20]  وعلاوة على دفعة إعدامات شباط/ فبراير 2014 المشار إليها آنفاً، أبلغ أحد المعتقلين الأمنيين في آذار/ مارس 2015 أقارب أربعة معتقلين مسيحيين أنهم أُعدموا إلى جانب آمر السجن الذي وافق على محاولة تهريبهم من مجمع مباني سد المنصورة. وسمع أفراد هذه العائلات من أحد مسؤولي داعش لاحقاً أن التنظيم قد أصدر أمراً بإعدام جميع المعتقلين من المسيحيين في السجن الأمني، مع الإشارة إلى أن هذه المعلومة قد جاءت من مصدر وحيد لم يتمكن المركز من التحقق منها بشكل مستقل. [21]   

كما أسهمت المقابلات التي أجراها المركز مع الناجين، والشهود الداخليين، وأفراد عائلات المفقودين، في توضيح الطريقة التي اعتمدها تنظيم داعش في التخلص من جثث المتوفَّين من معتقلي سجن سد المنصورة. وبناءً على تلك الإفادات، تمكن المركز من تحديد ما لا يقل عن ثلاث مناطق من المحتمل أن يكون التنظيم قد استخدمها لدفن جثامين من أعدمهم من معتقلي سد المنصورة، وهي: موقع ثكنات الهجانة نفسه، حيث شاهد عدد من الشهود الداخليين في 2014 قيام عناصر التنظيم بحفر خنادق على شاكلة الخنادق التي اعتاد حفرها لاستخدامها كقبور جماعية، وموقع قرية العكيرشي حيث دُفن أربعة معتقلين أكراد تم احتجازهم في نفس سياق حادثة الاعتقال الجماعي المشار إليه أعلاه وتم استخراج رفاتهم لاحقا. وموقع قرية السلحبية الغربية الذي تواترت أنباء بخصوصه من حيث قيام داعش بدفن معتقلين مسيحيين وأكراد فيه عقب احتجازهم في سد المنصورة.

ويُبرز القسم التالي نتائج البحث في مقبرة السلحبية الغربية، حيث حرص المركز السوري للعدالة والمساءلة على دراستها بعمق في سياق سابق (عمل فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري في الموقع نفسه).

القسم الثاني: نبش ماضي إحدى المقابر

الشكل 9: مقبرة السلحبية الغربية من الجو في صورة ملتقطة بالأقمار الصناعية أواخر 2012، علماً بأن الخط الأزرق هو عبارة عن طريق (زراعي) مخصص للوصول إلى الموقع، فيما يضم القسم الأول في الصورة منطقة الدوائر والمضلع المستطيل الشكل.

ثمة تلّة تقع على أطراف قرية السلحبية الغربية، وتبعد نحو 7 كلم من سد المنصورة، وتتّسم بكثرة الحفر والخنادق المستطيلة الشكل والمفتوحة فيها. وتحيط الحقول المزروعة بالتلة، ويوجد مخيم للنازحين أيضاً في المنطقة المعروفة محلياً باسم تل الشيخ خضر. وقبل أربع سنوات، قام أفراد فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري باستخراج أكثر من 100 رفات من تلك الحفر والخنادق المنتشرة في كامل منطقة التل. واتضح أن بعض تلك الرفات يعود لأشخاص يَظهر أنهم قُتلوا جراء عمليات القصف الجوي والاشتباكات المسلحة، ولكن ظهرت على الغالبية الساحقة منها علامات الاعتقال والإعدام الميداني من قبيل عصابة العينين، وطلق ناري في الرأس، والرؤوس المقطوعة. كما يشير الشكل رقم 10، يضم موقع المقبرة ثلاثة أقسام منفصلة على النحو الآتي:

  • القسم الأول: ثمة سلسلة من القبور الانفرادية شمال الطريق المؤدي إلى المقبرة على الجانب السفلي من سفح التلة، وعلى مقربة من خندق محفور بشكل مستعرِض من الشرق إلى الغرب، وضمت جثثاً ملفوفة في أكياس بلاستيكية، ودُفنت وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
  • القسم الثاني: خندقان متّجهان من الشمال إلى الجنوب ومتعامدان مع الطريق المؤدي إلى المقبرة، ويضمّان جثثاً مقطوعة الرأس، بالإضافة إلى الرؤوس المقطوعة، حيث تم دفنها في قسمين منفصلين داخل أحد الخندقين تحديداً.
  • القسم الثالث: ثلاثة خنادق متّجهة من الشرق إلى الغرب بالتوازي مع الطريق المؤدي إلى المقبرة بمحاذاة الجانب الجنوبي من التل، ويضم ثلاثة أجزاء يحتوي أحدها على جثث كاملة الأعضاء وأخرى مقطوعة الرأس وقد لُفت بأكياس بلاستيكية وبطانيات قماشية، وقسم آخر صغير يضم الرؤوس المقطوعة.

من هم أصحاب تلك الرفات؟، وكيف انتهى بهم المطاف على التل في السلحبية الغربية؟ تبدأ الإجابة عن طريق تحديد زمان تجهيز تلك المقبرة، وكيف تم ذلك؟، ومن أجل من؟ ويوضح القسم التالي تفاصيل هذه العملية، ويشير إلى تاريخ استخدام مقبرة تلة السلحبية الغربية على مدار سنوات، ولماذا يُعتقد أنها تضم رفات من قضوا نحبهم في سياقات مختلفة.

تطور استخدام مقبرة السلحبية الغربية

يوفّر تحليل صور الأقمار الصناعية نطاقاً لتحديد تاريخ الفترة التي حُفرت فيها تلك القبور في منطقة السلحبية الغربية. وتولت إحدى المنظمات الشريكة للمركز، وهي الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم، تحليل 39 صورة تغطّي الفترة بين 22 آب/ أغسطس 2011، و28 نيسان/ أبريل 2020، ولم يظهر من خلال معظم تلك الصور تغيراً ملموساً في المكان، بخلاف أربع صور مُلتقطة في الفترة بين 7 حزيران/ يونيو 2013، و22 كانون الثاني/ يناير 2015، حيث كشفت النقاب عن تغيّر طرأ على تضاريس المكان، ويرى الباحثون أنه تغير يتّسق مع النشاط الناجم عن حفر قبور جماعية. كما تشير صور الأقمار الصناعية المتوفرة إلى ظهور سلسلة من أكوام التراب بحلول 6 آذار/ مارس 2014 في الشق الجنوبي من التل، وذلك فوق الطريق المؤدي إلى الموقع بقليل، كونه طريق يلتفّ حول سفح التل (انظر الشكل رقم 11). وتبرز أكوام التراب بوضوح أكبر في الصور الملتقطة اعتباراً من 19 حزيران/ يونيو فصاعداً (انظر الشكل رقم 12) ويُعزى ذلك على الأرجح إلى تغير زاوية سقوط أشعة الشمس وقت التقاط الصور. [22] 

 تم استخراج الرفات المدفونة في قبور موقع السلحبية الغربية أواخر العام 2019، ومطلع العام 2020 على أيدي عناصر من فريق الاستجابة الأولية، وهو الاسم الذي كان يُعرف به سلف فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري الحالي، وذلك ضمن جهود واسعة النطاق لجمع الأدلة على جرائم داعش وتنظيف المنطقة من مخلفاتها. وبُذلت تلك الجهود بكل حسن نية، ولكنها لم تكن تهدف إلى تحديد هويات أصحاب الرفات. وإذ يستخدم المركز والفريق معلومات التوثيق المرتبطة بعمليات استخراج الرفات آنفة الذكر، فقد آثر وقف تلك العمليات مؤقتاً. ويحرص الفريق والمركز حالياً على التعاون مع شركاء من الخبراء في الطب الشرعي الأنثروبولوجي من أجل بناء قدرات أعضاء الفريق وتعزيز مهاراتهم ووضع إستراتيجية واضحة تحكم عمليات استخراج الرفات. وأُعيد دفن الرفات المستخرجة من موقع السلحبية الغربية في قبور فردية، ويمكن للفريق الوصول إليها عندما يحين الوقت المناسب لإجراء المزيد من التحاليل واختبارات مطابقة الحمض النووي.

كما تُظهر صور ملتقطة بتاريخ 18 كانون الأول/ ديسمبر 2014 كيفية ظهور خنادق وغير ذلك من أعمال الحفر في المدة الفاصلة بين الفترتين، وقوامها ستة أشهر، وذلك إلى الجنوب من الطريق الزراعي المؤدي إلى الموقع (انظر الشكل رقم 13). وتبرز صورة واضحة ملتقطة بتاريخ 22 كانون الثاني: يناير 2015 التغير الواضح في تضاريس الموقع جراء الحفر، حيث يظهر المزيد من الخنادق (الحُفر العميقة المستطيلة) على المنحدر الشمالي لتل الشيخ خضر (انظر الشكل رقم 14). ويظهر أن تلك الخنادق أو الحفر المستطيلة الشكل هي التي أصبحنا نعرف الآن أنها القبور التي تضم الجثث المقطوعة الرأس، والرؤوس المقطوعة المدفونة برفقتها. ولا يظهر نسق آخر يوضح حصول تغير ملموس على تضاريس المكان بما يشير إلى حفر قبور جماعية فيه من خلال الصور الملتقطة في فترات لاحقة. وعليه، فيظهر من صور الأقمار الصناعية أن التغيرات قد طرأت على ذلك القسم من مكان المقابر في أوقات مختلفة ضمن الفترة الزمنية الممتدة من حزيران/ يونيو 2013 إلى كانون الثاني/ يناير 2015.

الشكل 10: [على اليمين] موقع السلحبية الغربية بتاريخ 6 آذار/ مارس 2014، وتوضح الدائرة مكان أكوام التراب (الناجمة عن حفر القبور)

الشكل 11: [على اليسار] موقع السلحبية الغربية بتاريخ 19 حزيران/ يونيو 2014، ويمكن مشاهدة أكوام التراب بوضوح في الموقع.

وتسلّط إفادات الشهود العيان المباشرة، الضوء على كيفية حصول التغير في تضاريس المكان، وهي شهادات تتّسق مع ما توصل إليه المركز السوري للعدالة والمساءلة عن طريق تحليل صور الأقمار الصناعية. حيث حصلت عمليات حفر القبور في وقائع منفصلة في الفترة بين أواخر العام 2013، وأواخر العام 2014. وكانت أول مجموعة من القبور التي تم حفرها هي القبور الواقعة في القسم الأول من الموقع، أي أكوام التراب الواضحة في الشكلين رقم 11، و12، وهي قبور ضمّت بشكل رئيسي رفات العسكر الذين قُتلوا في الاشتباكات المسلحة والإعدامات الميدانية في محيط (ريف) الرقة. كما تحدثت وسائل الإعلام المحلية أواسط شهر كانون الثاني/ يناير 2014 عن قيام الهلال الأحمر العربي السوري بدفن جثث نحو 41 عنصراً من الجماعات المسلحة على مقربة من قرية السلحبية الغربية، ومن المحتمل أن يكونوا أولئك من عناصر جماعات مختلفة، وقُـتلوا إما أثناء القتال ضد داعش أو عقب إعدامهم ميدانياً في وقت لاحق. [23]  ومضى عدد من الأسابيع على الأقل بين ساعة وفاة هؤلاء ووقت دفن جثثهم، حيث جلب الهلال الأحمر العربي السوري الجثامين إلى موقع تل الشيخ خضر في شاحنات (انظر الشكل رقم 15). [24]  ولكن تلقى فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري بلاغات عن أن جميع من دُفنوا في القسم الأول في الموقع لم يكونوا جثثاً هامدة لحظة الوصول إلى المكان، وثمة شاهد عيان آخر يزعم أنه شاهد إعدامات ليلية ودفن جثث عقب تمشيط تنظيم داعش لمنطقة القرية. [25] 

الشكل 12: [على اليمين] موقع السلحبية الغربية بتاريخ 18 كانون الأول/ ديسمبر 2014.

الشكل 13: [على اليسار] موقع السلحبية الغربية بتاريخ 22 كانون الثاني/ يناير 2014.

الشكل 14: نوع الشاحنات المستخدمة لنقل الجثث إلى موقع المقبرة في السلحبية الغربية

وأجرى تنظيم داعش ترتيبات لدفن ضحايا الإعدامات الميدانية في موقع السلحبية الغربية في مناسبتين مختلفتين خلال عام 2014، علماً بأن التنظيم اعتاد الاعتماد على المجتمعات المحلية للمساعدة في دفن ضحايا إعداماته (ويُعزى ذلك غالباً إلى أن الأهالي هم أقدر على معرفة إجراءات حفر القبور، أو لأن البعض منهم كان يعمل ضمن طواقم الإسعاف أصلاً). وفي سياق المناسبتين جلب عناصر داعش (من المتعاونين محلياً وليس من المقاتلين الأجانب على ما يبدو) إلى موقع السلحبية الغربية، دفعات من الجثث والرفات في الشاحنات التي استخدمها الهلال الأحمر. ويظهر أن تلك الجثث والرفات لم تكن قد تحللت بعد وقت جلبها إلى تل الشيخ خضر، وإن كان استخدام الشاحنات لا يوضح ما إذا كانت تلك الجثث تعود لمن تم إعدامهم ميدانياً أم لا. [26]  ونقل عناصر التنظيم أولاً ضحايا إعداماته في تموز/ يوليو، أو آب/ أغسطس 2014، وقاموا بدفنها فيما أصبح يُعرف لاحقاً بالقسم الثاني من موقع المقبرة الجماعية. وعلى الرغم من بقاء العدد الدقيق للضحايا الذين تم جلب جثثهم في هذه الدفعة مجهولاً، فثمة ما بين 53 و86 رفات بشرية تحمل آثار تعرُّض أصحابها للإعدام (بقطع الرأس تحديداً). ووصلت الدفعة الثانية من الجثث والرفات أواخر 2014، في تشرين الثاني/ نوفمبر، أو كانون الأول/ ديسمبر على الأرجح، ووُريت الثرى فيما سيصبح القسم الثالث من المقبرة. وبرزت من بين جثث هذه الدفعة رفات نحو 32 إلى 37 شخصاً حمل البعض منها آثار تعرض أصحابها للإعدام، فيما يبدو أن الباقين قُتلوا جراء القصف الجوي. [27]  وعليه، تشير إفادات شهود العيان إلى دفن نحو 123 شخصاً في مقابر جماعية في موقع السلحبية الغربية، معظمهم من ضحايا الإعدامات الميدانية التي نفذها تنظيم داعش. وعلى الرغم من أن مجموع الجثث يتجاوز عدد الرفات التي استخرجها افراد فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري لاحقاً، وربطوها بإعدامات داعش، ينبغي التنبيه إلى أن بعض القبور في السلحبية الغربية لم يتم فتحها واستخراج الرفات منها بعد (انظر في الأسفل).

ولم يشهد العام 2015 وما بعده حفر مقابر جديدة وفقاً لإفادات الشهود العيان. وأما التعديلات التي طرأت على تضاريس المنحدرين الشمالي والشرقي من تل الشيخ خضر من كانون الأول/ ديسمبر 2014 فصاعداً، فيمكن القول إنها كانت نتاجاً لقيام عناصر داعش بالحفر بحثاً عن الدفائن الثمينة التي يُشاع بأن المنطقة غنية بها.

ولا توضح إفادات الشهود العيان من أين جاءت الجثث والرفات التي تم نقلها إلى موقع السلحبية الغربية. وزعم عناصر داعش في إحدى المناسبات أن البعض منها يعود لمن تم إعدامهم على الملأ في ساحة دوار النعيم بمدينة الرقة. [28]  ومن شأن تحليل المعلومات التوثيقية المتوفرة بكثرة عبر المصادر المفتوحة حول إعدامات داعش المنفذة في دوار نعيم أن يوضح من أين جاءت الجثث المدفونة في السلحبية الغربية. [29] 

ومع ذلك كله، تؤيد إفادات الشهود العيان الفرضية الأولية التي وضعها المركز السوري للعدالة والمساءلة، حول احتمال وجود رابط بين مجمع مباني سد المنصورة وموقع المقبرة في السلحبية الغربية. وتؤكد أن أقساماً معيّنة من المقبرة تضم رفات ضحايا إعدامات داعش، وأنها قد حُفرت في نفس الفترة الزمنية التي كان التنظيم يعتقل فيها عدداً من السجناء في سجنه الأمني السري المخصص لاعتقالات الفترات الطويلة في مجمع مباني سد المنصورة. كما توضح إفادات الشهود العيان كيف تطور استخدام مقبرة السلحبية الغربية بمرور الوقت، بحيث أصبحت مُعدّة لدفن جثث القتلى بصرف النظر عن ملابسات مقتلهم، وليس فقط من ضحايا إعدامات داعش، وإنما لدفن جثث قتلى الاشتباكات المسلحة والضربات الجوية أيضاً. ويمكن توضيح المزيد من التفاصيل بخصوص هوية أصحاب الرفات من خلال فحص تفاصيل بيانات وأدلة الطب الشرعي التي جمعها أفراد فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري أثناء فتح قبور السلحبية الغربية كما يظهر في الأسفل.

استخراج الرفات من مقبرة السلحبية الغربية

عقب مرور خمس سنوات على حفر القبور في تل الشيخ خضر، توالت عودة أفراد المجتمع المحلي إلى المنطقة على إثر دحر تنظيم داعش من المناطق التي كان يسيطر عليها، وطالب الأهالي السلطات المحلية بفتح القبور في الموقع، ودفعهم إلى التقدّم بهذا الطلب من السلطات مشكلة نبش الحيوانات الضارية بقايا جثث وأشلاء بشرية في محيط التلة، بما شكّل عائقاً أمام النشاط الزراعي والرعوي في المنطقة. فطلبت السلطات المحلية بدورها من فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري أن يفتح القبور ويدفن الجثث في مكان آخر، على الرغم من عدم توفر معلومات لديها حول هوية أصحاب الرفات المدفونة فيها. وعمل أعضاء الفريق في موقع السلحبية الغربية في الفترة بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وشباط/ فبراير 2020، واستخرج رفات 115 شخصاً من القبور الانفرادية والخنادق الجماعية (انظر الشكل رقم 16). وينبغي التنبيه هنا إلى أن بعض القبور لم يتم فتحها واستخراج الرفات منها وفقاً لإفادات الشهود العيان (وخصوصاً القبور الكائنة في القسم الأول من موقع المقبرة الجماعية).

الشكل 15: جهود استخراج الرفات في موقع السلحبية الغربية، أواخر العام 2019.

عثر أفراد فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري على رفات 87 شخصاً حملت آثاراً واضحة على أن أصحابها قد قضوا عقب إعدامهم أو إصابتهم في الاشتباكات المسلحة، بالإضافة إلى مقتل نحو 28 شخصاً جراء عمليات القصف الجوي، وفقاً لما تفيد به الآثار الظاهرة على الرفات. ويشير تحليل الطب الشرعي الأولي إلى أن رفات من يُعتقد أنهم قضوا إعداماً تعود إلى جثث ذكور بالغين، بالإضافة إلى رفات تعود إلى ثماني إناث يبدو أنهن قُتلن جراء القصف الجوي (انظر الشكل رقم 17 للاطلاع على أمثلة من بيانات الطب الشرعي من موقع مقبرة السلحبية الغربية). وتشير هذه المعلومات إلى أنه لم يتم دفن أي أنثى أعدمها التنظيم في تلك المقبرة بالسلحبية الغربية. وتكاد تكون جميع الجثث مقطوعة الرأس بثياب مدنية، وإن اختلطت بها ثلاث جثث بزي عسكري، إحداها بزي الجيش السوري. [30]  ومع أنه من الوارد أن تكون تلك الرفات عائدة لعسكريين، فمن غير المستبعد أن تكون عائدة لمدنيين عمد تنظيم داعش إلى جعلهم يرتدون زياً عسكرياً، حيث وردت تقارير تفيد أن التنظيم قد دأب إبان فترة حفر المقبرة الجماعية في آب/ أغسطس 2014 على جعل معتقليه في مجمع مباني سد المنصورة يرتدون زياً عسكرياً عائداً لإحدى مفارز الجيش السوري في المنطقة. [31] 

الشكل 16: بيانات ميدانية من إعداد فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري حول الرفات المستخرجة من مقبرة السلحبية الغربية، وتشمل سبب الوفاة المحتمل وغير ذلك من المعلومات الأساسية الفسيولوجية ومعلومات ما بعد الوفاة.

ولم يتم التعرف إلى هوية أحد من بين اصحاب الرفات البالغ عددهم 115 شخصاً، ولكن تلقّى فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري بلاغات غير مؤكدة، تشير إلى خصائص ومعلومات عامة عن أصحاب الرفات المدفونة في الموقع. وتتّسق تلك البلاغات عموماً مع ما توصّل المركز إليه من معلومات. وعلى سبيل المثال، تواصل عدد من أفراد المجتمع المحلي مع أعضاء فريق شؤون المفقودين عندما شرع باستخراج الرفات من القبور، زاعمين بأن جثث السجناء ذوي الأهمية السياسية بعهدة داعش هي الرفات المدفونة في مقبرة السلحبية الغربية (بما في ذلك سجناء أكراد، وضحايا إعدامات التنظيم، وهكذا دواليك). كما تم في واقع الحال تداول منشورات عبر منصات التواصل الاجتماعي تذهب في هذا الاتجاه قبل وقت طويل من بدء عملية استخراج الرفات من الموقع، ويعود تاريخ بعض تلك المنشورات إلى شباط/ فبراير 2014. [32]  إلا أن التحليل الجنائي الشرعي الذي أجراه فريق شؤون المفقودين في سياق التحقيق بقضية أحد المفقودين لم يثبت وجود رابط بين بيانات ما بعد الوفاة المستخرجة من الرفات وبيانات الشخص عندما كان على قيد الحياة التي تم تزويد الفريق بها آنفاً. [33]  وفي المقابل، قد تتحقق المطابقة في الهوية في مراحل لاحقة من التحليل المعمق، أو إذا تسنّى لفريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري أن يستخرج الرفات من القبور لتي لمّا يتم فتحها بعد.

الآفاق المستقبلية لعمليات التحقيق وتحديد الهوية

تبرهن معلومات التحليل والتوثيق الواردة في هذا التقرير أن النهج الذي يعتمده المركز السوري للعدالة والمساءلة في البحث عن المفقودين قد بدأ يؤتي أكله فعلاً. وإذ يعتقد الكثير من الناس أن أهم وأول خطوة في الكشف عن مصير المفقودين في سياقات النزاعات المسلحة وأماكن دفنهم تكمن في استخراج الرفات من القبور، يبرهن هذا التقرير على أهمية العمل الاستقصائي والتحقيقات التي ينبغي إنجازها قبل أن تهوي أول ضربة فأس أو معول على سطح تربة المقبرة الجماعية. وعلى سبيل المثال، تمكن المركز والفريق عقب 18 شهراً فقط من العمل الاستقصائي والتحقيقي الموجّه، من تحديد الفترة الزمنية التي كانت مرافق الاعتقال والمقبرة قيد الاستخدام حينها، فضلاً عن تمكنهما من معرفة خصائص المعتقلين فيها والرفات التي جرى توثيق وجودها في الموقعين. وبناءً على ذلك التحليل، توصّل المركز السوري للعدالة والمساءلة إلى الاعتقاد بأن تنظيم داعش قد دأب على إعدام ودفن بعض، وليس جميع، معتقلي سجن مجمع مباني سد المنصورة في مقبرة السلحبية الغربية. كما تمكن المركز أيضاً من تحديد الأقسام في الموقع التي وُوريت جثامين الضحايا الثرى فيها علاوة على تحديد هويات بعض المفقودين من أفراد المجموعة التي ذهب أفرادها ضحايا لإعدامات داعش.

كما يشير التقرير إلى الاتجاهات العامة المحتملة مستقبلاً لجهود التحقيق والاستقصاء وتحديد الهوية، التي من الممكن أن يمضي بها المركز السوري للعدالة والمساءلة بالتعاون مع فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري. ونظراً لوجود مزاعم بأن بعض قبور السلحبية الغربية لم يتم فتحها بعد، وبقاء مواقع البعض الآخر منها مجهولة لأفراد الفريق، فلا بد من إجراء المزيد من المسوحات الميدانية للموقع من أجل تحديد إحداثيات أي خنادق، أو حُفر، أو قبور لم يعلم الفريق بوجودها سابقاً. كما ينبغي إجراء تحقيق مماثل في مواقع المقابر الجماعية التي حدّد الشهود أنها تقع على مقربة من سجن سد المنصورة الأمني، وعلى أطراف قرية العكيرشي. وعلاوة على ذلك وبما أن المركز قد توصل إلى أن سجن سد المنصورة كان آخر الأماكن التي شوهد فيها 30 كردياً اعتُقلوا في واقعة واحدة، فضلاً عن اثنين آخريْن أُعدما في محيط السجن الأمني، فثمة مجموعة محددة منفصلة من عينات الحمض النووي التي يمكن مطابقتها مع عينات مماثلة من رفات الهياكل العظمية المستخرجة من السلحبية الغربية عقب فحصها. ولكن لم يتم تحديد هوية أفراد تلك المجموعة حتى تاريخه، وينبغي أن تتم محاولات مطابقة الهوية بالتزامن مع التحقيق في الإعدامات التي نفذها التنظيم على الملأ في مدينة الرقة في الفترة التي استلم فيها الشاهد في السلحبية الغربية رفات بضعة اشخاص، ولا سيما في ضوء احتمال أن يكون ضحايا تلك الإعدامات قد سبق اعتقالهم في سد المنصورة قبل أن يُصار إلى دفنهم في تل الشيخ خضر. كما قد يتم تحديد هوية مجموعة عينات إضافية من خلال إجراء تحقيقات موجهة لمعرفة تفاصيل الوقائع في مجمع سجون سد المنصورة في نفس الفترة التي بدأ العمل فيها بحفر مقبرة السلحبية الغربية وتطور استخداماتها. [34]  وبصرف النظر، فقد يواجه المركز السوري للعدالة والمساءلة، وفريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري عقبات سياسية، ولوجستية، واجتماعية قد تحول دون جمع وفحص عينات الحمض النووي لما قبل الوفاة وما بعدها، وهو ما يستدعي المزيد من التخطيط في قادم الشهور والسنوات.

وفي ضوء النفع الذي تحققه التحقيقات السياقية، يداوم المركز والفريق في الأثناء على دارسة عشرات مرافق الاعتقال ومواقع المقابر الجماعية التي تم تحديد أماكنها في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة داعش سابقاً. وعلى هذا النحو، يقود المركز السوري للعدالة والمساءلة جهوداً تؤتي ثمارها بسرعة، وتؤدي إلى التوصل لنتائج واضحة وإيجابية لعائلات الضحايا الموجودة على أرض الميدان داخل سوريا، وتستمر في البحث عن ذويها المفقودين.


[1]انظر الحكم الصادر عن محكمة مقاطعة روتردام في قضية فتّاح أ. ( https://uitspraken.rechtspraak.nl/#!/details?id=ECLI:NL:RBROT:2021:9058&showbutton=true&keyword=&idx=6 ).

[2] تقرير منظمة العفو الدولية " حكم الرعب: انتهاكات الاحتجاز المرتكبة من قبل تنظيم داعش في شمال سوريا" (لندن: منظمة العفو الدولي، 2013)، 2، 6.

[3] في 2013 على سبيل المثال، خلصت منظمة العفو الدولية إلى أن المحتجزين كانوا من المدنيين الذين اعتُقلوا بتهمة السرقة، فيما كان أحد الناجين من تلك الفترة ناشطا مدنيا. انظر تقرير منظمة العفو الدولية المعنون "حكم الرعب" ص.10، ومقال أحمد إبراهيم المعنون "شهر عن اعتقال داعش" صحيفة الجمهورية، 14 كانون الثاني/ يناير 2015 ( https://aljumhuriya.net/ar/2015/01/14/33015). وفيما يتعلق بالأجهزة الأمنية التابعة لداعش، راجع تقرير المركز السوري للعدالة والمساءلة المعنون "إحياء الأمل: البحث عن ضحايا داعش من المفقودين" (واشنطن: المركز السوري للعدالة والمساءلة، 2021) ، ص 6-10.

[4] تشير فحوى المقابلات مع عائلات المفقودين الذين شوهدوا في سجن المنصورة إلى دور "أبو علي" الشرعي من جهاز الحسبة، فيما تشير إفادة منشورة على لسان أحد الناجين إلى مسؤول المكتب الأمني، محمد النجم، على أنه كان رئيساً للمنشأة أواسط العام 2013. راجع مقال أحمد إبراهيم "شهر عن اعتقال داعش".

[5] مقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 3 آب/ أغسطس 2023؛ مقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 3 كانون الثاني/يناير 2022

[6]  مقابلة تم إجراؤها من قبل فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري في 14 أيلول/ سبتمبر 2023 ؛، مقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

[7]  مقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 3 آب/ أغسطس.

[8]  مقابلة تم إجراؤها فريق شؤون المفقودين والطلب الشرعي السوري في 4 أيار/ مايو 2023؛ مقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 27 نيسان/ أبريل 2023.

[9]  مقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 19 نيسان/ أبريل 2021.

[10] مقابلة تم إجراؤها من قبل فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري في 14 أيلول/ سبتمبر 2023.

[11] لا يُعرف الموقع الدقيق لمركز الاعتقال في تل أبيض على وجه التحديد، وتشمل المواقع المحتملة للمنشأة أماكن من قبيل محكمة تل أبيض وفقا لمقبابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في آب/ أغسطس 2023 ووفقا لمقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 17 شباط/ فبراير 2022؛ والمقر السابق لفرع الأمن السياسي وفقا لمقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 ووفقا لتقرير لجنة التحقيق الدولية بشآن الجمهورية العربية السورية "بعيدا عن العين... بعيدا عن الخاطر: الوفيات أثناء الاحتجاز في الجمهورية العربية السورية" (جنيف: لجنة التحقيق الدولية بشأن الجمهورية العربية السورية، 4 شباط/ فبراير 2016) https://www.ohchr.org/sites/default/files/Documents/HRBodies/HRCouncil/CoISyria/A-HRC-31-CRP1_ar.pdf ، ص 17 )؛ ومبنى المدرسة في تل أبيض وفقا لمقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 19 نيسان/ أبريل 2021.

[12] مقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 28 آذار/ مارس 2022؛ مقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 4 نيسان/ أبريل 2022.

[13] ثمة عدم تطابق في التواريخ في هذه الواقعة. مقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 19 نيسان/ أبريل 2021 تدل على أنه نقل داعش مجموعة قوامها 80 معتقلا يوم الجمعةة الموافق 21 شباط/ فبراير 2014، فيما تدل مقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة على أنه أمضوا المعتقلون أسبوعا في تل أبيض (أي حتى يوم 28 شباط/ فبراير تقريبا) قبل أن يتم ترحيلهم إلى سد المنصورة.

[14] مقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 20 حزيران/ يونيو 2022؛ مقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 19 نيسان/ أبريل 2021..

[15] مقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 19 نيسان/ أبريل 2021. .

[16] وفقاً لإفادة أحد الناجين المتاحة للعموم، تم ترحيل المعتقلين غلى منبج في 16 حزيران/ يونيو وليس قبل ذلك التاريخ؛ انظر (https://vdc-nsy.com/archives/41621 ).

[17] هذان الشخصان هما خليل إبراهيم الشواخ، وحسن شريدة، انظر تقرير منظمة العفو الدولية "حكم الرعب" ص. 13-16، كما يمكن العثور على إفادات مشابهة في مقال أحمد إبراهيم المعنون "شهر عن اعتقال داعش"

[18] تقرير المنظمة العفو الدولية "حكم الرعب"، ص. 6.

[19] مقابلة تم إجراؤها من قبل فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري في 4 أيار/ مايو 2023؛ اتُهم هذان الشخصان بمخالفة قواعد الأخلاق (ارتكاب أفعال جنسية محرمة)، وينحدران من منطقة عين عيسى أصل.

[20] مقابلة تم إجراؤها من قبل فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري في 14 أيلول/ سبتمبر 2023.

[21] مقابلة تم إجراؤها من قبل المركز السوري للعدالة والمساءلة في 28 أيلول/ سبتمبر2022 .

[22] مقابلة تم إجراؤها من قبل فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري في 8 حزيران/ يونيو 2022.

[23] أخبار الآن "العثور على 41 جثة لأشخاص تم إعدامهم بريف الرقة" مقطع فيديو على موقع يوتيوب ومدته 30 ثانية، بتاريخ 18 كانون الثاني/ يناير 2014، https://www.akhbaralaan.net/news/arab-world/2014/1/11/regain-raqqa-syria-isis-fighting-battle-free-army-presence. زعمت قناة أخبار الآن أن بعض المعدومين كانوا ينتسبون للجبهة الإسلامية بينما تزعم مواد وسائل التواصل الاجتماعي من نفس الفترة الزمنية أن المعدومين كانوا ينتسبون لحركة أحرار الشام. أنظر (جيري سبي)/ تل أبيض، "أخبار تل أبياض،" فايسبوك، 4 شباط/ فبراير 2014، https://www.facebook.com/GireSpi.news/posts/pfbid02SqGMMTem1LAFB7bu2oGZZfUmF213mFmtNhShwfnyuXTTvybeFWGWN2mb7epjEoul.

[24]  أخبار الآن "العثور على 41 جثة". وفقاً لهذا التقرير الإخباري، امتنعت عائلات أولئك المقاتلين عن استلام جثث ذويها خوفاً من انتقام داعش، كما يشير تقرير آخر في وقت سابق إلى أن جثث القتلى كانت في المشفى الوطني اعتباراً من 11 كانون الثاني/ يناير 2014؛ انظر تقرير أخبار الآن "الجبهة الإسلامية تستعيد زمام الأمور في الرقة وتخوض معركة وجود ضد داعش" 11 كانون الثاني/ يناير 2014 ( https://www.akhbaralaan.net/news/arab-world/2014/1/11/regain-raqqa-syria-isis-fighting-battle-free-army-presence ).

[25]  تواصل شخصي مع قائد فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري (SMFT)، 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. يعتقد قائد الفريق أن جثث أولئك الأشخاص دُفنت في قبور فردية في القسم الثالث من موقع المقبرة، وأن الضحايا كانوا بالتالي من العسكر.

[26]  ينبغي التنبيه إلى أن تنظيم داعش استولى على مركبات الهلال الأحمر عقب بسط سيطرته على الرقة، ومن غير الواضح ما إذا استمر بعض طواقم الهلال الأحمر العربي السوري بالعمل حينها. وفي جميع الأحوال، يظهر أن داعش استخدم تلك المركبات في السلحبية الغربية لجلب الرؤوس المقطوعة أو الجثث المقطوعة الرأس قبل التخلص منها في خنادق مستطيلة ملفوفة بأغطية بلاستيكية أو بطانيات.

[27] مقابلة تم إجراؤها من قبل فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري في 8 حزيران/ يونيو 2022.

[28] مقابلة تم إجراؤها من قبل فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

[29] على سبيل المثال، تعود ثلاث رفات لعناصر من الجيش السوري تم إعدامهم على الملأ في دوار النعيم في آب/ أغسطس 2014، وتتوفر معلومات ومقاطع حول الواقعة عبر منصات التواصل الاجتماعي وخصوصاً موقع فيسبوك.

[30] الرفات رقم 41 من موقع السلحبية الغربية. انظر أيضاً معلومات حول الرفات رقم 75 من السلحبية الغربية، والرفات رقم 114 من ذات الموقع.

[31] شبكة أخبار بري الشرقي "هام: مدينة الطبقة".

[32]  (جيري سبي)/ تل أبيض "أخبار تل أبيض" فيسبوك، 4 شباط/ فبراير 2014 ( https://www.facebook.com/GireSpi.news/posts/pfbid02SqGMMTem1LAFB7bu2oGZZfUmF213mFmtNhShwfnyuXTTvybeFWGWN2mb7epjEoul ).

[33]  تواصل شخصي مع طبيب شرعي من أعضاء فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري، 7 أيلول/ سبتمبر 2023.

[34] ثمة واقعة مشابهة حدثت في شهر شباط/ فبراير 2014 شهدت قيام عناصر من داعش بإيقاف حافلة ركوب صغيرة (ميكروباص) تنقل ثلاثة ركاب أكراد لدى مرورهم بحاجز سد المنصورة واعتقالهم في أحد مباني مجمع سجون سد المنصورة قبل أن يزعم في آب/ أغسطس 2014 أنه تم إعدام أحد الركاب الثلاثة على الأقل.

سجن سد المنصورة

الشكل 2: المبنى الرئيسي في السد (المبنى "أ")، ومنشأة الاعتقال المؤقت (المبنى "ب")، حزيران/ يونيو 2014

الشكل 3: منشأة ملحقة لأغراض احتجاز الأشخاص مؤقتا (المبنى "ج") تشرين الأول/ أكتوبر 2015  

الشكل 4: داخل منشأة حجز الأفراد مؤقتاً في المبنى "ب"، تموز/ يوليو 2013

الشكل 5: موقع منشأة حجز المعتقلين الأمنيين لفترات طويلة (ثكنات الهجانة)، خارطة من وزارة الحرب.

الشكل 6: أمر تحويل سجين صادر عن الشرطة الإسلامية في المنصورة إلى مكتب الطبقة الأمني (تشرين الثاني/ نوفمبر 2014)

الشكل 7: صورة زُعم أنها لمعتقلين أكراد لحظة توقيفهم واحتجازهم مؤقتاً في صوامع العالية غرب تل تمر بتاريخ 19 شباط/ فبراير 2014، ولم يتمكن المركز من التحقق بشكل مستقل من تاريخ التقاط الصورة.

الشكل 8: الأحداث (المحطات) الرئيسية في واقعة الاعتقال الجماعي لمدنيين أكراد في شباط/ فبراير 2014، ويرتبط الحدث (المحطة) رقم 3 بسجن سد المنصورة.

الشكل 9: مقبرة السلحبية الغربية من الجو في صورة ملتقطة بالأقمار الصناعية أواخر 2012، علماً بأن الخط الأزرق هو عبارة عن طريق (زراعي) مخصص للوصول إلى الموقع، فيما يضم القسم الأول في الصورة منطقة الدوائر والمضلع المستطيل الشكل.

الشكل 14: نوع الشاحنات المستخدمة لنقل الجثث إلى موقع المقبرة في السلحبية الغربية

الشكل 15: جهود استخراج الرفات في موقع السلحبية الغربية، أواخر العام 2019.

الشكل 16: بيانات ميدانية من إعداد فريق شؤون المفقودين والطب الشرعي السوري حول الرفات المستخرجة من مقبرة السلحبية الغربية، وتشمل سبب الوفاة المحتمل وغير ذلك من المعلومات الأساسية الفسيولوجية ومعلومات ما بعد الوفاة.